للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يحتمل أن يراد بالسورة بعضها؛ لأن إطلاق لفظ الجمع على البعض جائز، ويحتمل أن يراد جميع السورة، فعلى هذا المراد بالسورة سورة براءة؛ لأنها مشتملة على الأمر بالإيمان، والأمر بالجهاد بـ {أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ}؛ أي: داوموا على إيمانكم بالله تعالى {وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ} - صلى الله عليه وسلم - في المستقبل، ويصح أن تكون أن مصدرية، كما أشرنا إليه بتقدير الباء، ومفسرة لما في الإنزال من معنى القول والوحي، والقولان ذكرهما أبو السعود.

فإن قلت: كيف يأمرهم بالإيمان مع كونهم مؤمنين، فهو من باب تحصيل الحاصل؟ قلت: معناه: الأمر بالدوام على الإيمان وبالجهاد في المستقبل، وقيل: إن الأمر بالإيمان يتوجه على كل أحد، في كل ساعة، وقيل: إن هذا الأمر، وإن كان ظاهرهُ العموم، لكن المراد به الخصوص، وهم المنافقون، والمعنى حينئذ: إن أخلصوا الإيمان بالله، وجاهدوا مع رسوله، وإنما قدم الأمر بالإيمان على الأمر بالجهاد؛ لأن الجهاد بغير إيمان لا يفيد أصلًا، فكأنه قيل للمنافقين: الواجب عليكم أن تؤمنوا بالله أولًا، وتجاهدوا مع رسوله ثانيًا حتى يفيدكم ذلك الجهاد فائدة يرجع عليكم نفعها في الدنيا والآخرة.

والمعنى: وإذا أنزلت عليك يا محمَّد سورة من القرآن، مشتملةٌ على الأمر بإخلاص الإيمان، وعلى الأمر بالجهاد مع رسوله في المستقبل {اسْتَأْذَنَكَ} في التخلف عن الغزو {أُولُو الطَّوْلِ} وأصحاب الغنى {مِنْهُمْ}؛ أي: من المنافقين أي: استأذنك أصحاب السعة في المال والقدرة على الجهاد بالبدن من رؤساء المنافقين وكبرائهم، كعبد الله بن أبي وجدٍّ بن قيس، ومعتب ابن قشير. وخصهم بالذكر؛ لأن الذم لهم ألزم، لكونهم قادرين على أهبة السفر والجهاد؛ أو لأن العاجز عن السفر والجهاد لا يحتاج إلى الاستئذان {وَقَالُوا}؛ أي: قال أولوا الطول لك {ذَرْنَا}؛ أي: أتركنا يا محمَّد عن الخروج معك {نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} في البيوت من النساء والصبيان. وقيل: مع المرضى والزمنى: أي: إن تركتنا وسامحتنا من الخروج للغزو نكون مع الضعفاء من الناس، والساكنين