للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أهل الشقاق، ويبذلوا أنفسهم دون نفسه؛ أي (١)؛ لا يختاروا إِبقاء أنفسهم على نفسه في الشدائد، بل أمروا بأن يصحبوه في البأساء والضراء، ويلقوا أنفسهم بين يديه في كل شدة.

والمعنى (٢): ولا ينبغي لهم أن يفضلوا أنفسهم على نفسه، فيرغبوا في الراحة والسلامة، ولا يبذلوها فيما يبذل فيه نفسه الشريفة، بل عليهم أن يصحبوه في البأساء والضراء، وأن يكابدوا معه الأهوال برغبة ونشاط، علمًا بأنها أعز نفس على الله وأكرمها فإذا تعرضت مع كرامتها للخوض في شدة وهول، وجب على سائر الأنفس أن تتهافت فيما تعرضت له، ولا يكترث لها أصحابها فضلًا عن أن يربؤوا بأنفسهم عن متابعتها، ويضنوا بها على ما سمح بنفسه عليه.

والخلاصة: أن المتخلف يفضل نفسه ويؤثرها على نفس رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، التي لا يكمل إيمان أحد حتى يحبه أكثر من حبه لنفسه.

وفي ذلك نهي شديد عن عملهم، وتوبيخ لهم عليه وتهييج لمتابعته، - صلى الله عليه وسلم -، بأنفة وحمية، والإِشارة في قوله: {ذَلِكَ} إلى ما يفيده السياق من وجوب متابعته، - صلى الله عليه وسلم -، والنهي عن التخلف عنه؛ أي: ذلك الوجوب والنهى عن التخلف عنه، - صلى الله عليه وسلم -، {بـ} سبب، {أنهم لا يصيبهم} ولا ينالهم في سفرهم ولا غزواتهم، {ظَمَأٌ} ولا عطش، {وَلَا نَصَبٌ} ولا تعب. وقرأ عبيد بن عمير: {ظمأ} بالمد مثل سفه وسفاها. وقرأ غيره: بالقصر وهما لغتان، مثل خطأ وخطاء. {وَلَا مَخْمَصَةٌ} ولا مجاعة ولو يسيرًا، وكذا يقال، فيما قبله، {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وطاعته والجهاد لإعلاء كلمته، {ولا يطئون}؛ أي: ولا يدوسون بأرجلهم وحوافر خيولهم وأخفاف بعيرهم {مَوْطِئًا}؛ أي: دوسًا ووطئًا، {يَغِيظُ} ويغضب، {الْكُفَّارَ} ويضيق صدورهم أو لا يدوسون مكانًا من أمكنة الكفار يغيظهم الدوس فيها، يعني: ولا يضعون قدمًا على الأرض يكون ذلك القدم سببًا لغيظ الكفار، وغمهم وحزنهم. وقرأ زيد بن علي: {يغيظ} بضم الياء {وَلَا


(١) النسفي.
(٢) المراغي.