للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالكلية، ثم إن الله سبحانه وتعالى قادر على إعادته كما كان أول مرّةٍ فضرب الله سبحانه وتعالى هذا المثل ليدل على أن من قدر على إعادة ذلك النبات بعد التلف كان قادرًا على إعادة الأموات أحياء في الآخرة، ليجازيهم على أعمالهم، فيثيب الطائع ويعاقب العاصي {كَذَلِكَ}؛ أي: كما فصلنا وبينا مثل الحياة الدنيا، وعرفناكم حكمها {نُفَصِّلُ الْآيَاتِ}؛ أي: نبين حججنا ودلائل قدرتنا {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ويتأملون فيها، ويعتبرون بها، ليكون ذلك سببًا موجبًا لزوال الشك، والشبهة عن القلوب.

والخلاصة: أي كهذا المثل الواضح الذي يمثل حال الدنيا وغرور الناس بها، مع سرعة زوالها وتعلق الآمال بها، نفصل الآيات الدالة على حقيقة التوحيد وأصول الشرائع والآداب والمواعظ وتهذيب الأخلاق، وكل ما فيه صلاح للناس، في معاشهم ومعادهم، لمن يستعمل عقله ويزن أعماله بموازين الحكمة، فليس هذا المثل قاصرًا على شخص دون شخص، بل هو عبرة لمن كان له بصيرة وتدبر، فينبغي للإنسان أن ينزل القرآن في خطاباته على نفسه، ويتأمل فيها ويتدبر، ليأتمر بأوامره وينتهي بنواهيه.

وقرأ الجمهور (١): {وَازَّيَّنَتْ} وأصله: وتزينت فأدغمت التاء في الزاي، فاجتلبت همزة الوصل لضرورة تسكين الزاي عند الإدغام. وقرأ أبي، وعبد الله، وزيد بن علي، والأعمش: {وتزينت} على وزن تفعلت. وقرأ سعد بن أبي وقاص، وأبو عبد الرحمن، وابن يعمر والحسن والشعبي وأبو العالية وقتادة ونصر بن عاصم وابن هرمز وعيسى الثقفي: {وأزينت} على وزن أفعلت، كأحصد الزرع؛ أي: حضرت زينتها، وحانت وصحت الياء فيه على جهة الندور، كأعليت المرأة، والقياس: وأزانت، كقولك: وأبانت. وقرأ أبو عثمان النهدي: بهمزه مفتوحة. بوزن، أفعألت قاله: عنه صاحب "اللوامح"، قال: كأنه كانت في الوزن بوزن احمارت، لكنهم كرهوا الجمع بين ساكنين، فحركت الألف فانقلبت همزة مفتوحة، ونسب ابن عطية هذه القراءة لفرقة، فقال: وقرأت فرقة، وأزيأنت


(١) البحر المحيط.