للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يستحق أن يفرح به .. فهو فضل الله ورحمته. روى ابن مردويه وأبو الشيخ، عن أنس مرفوعًا: "فضل الله القرآن، ورحمته أن جعلكم من أهله". وعن الحسن والضحاك وقتادة ومجاهد: فضل الله الإيمان ورحمته القرآن.

{هُوَ}؛ أي: المذكور من فضل الله ورحمته {خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} من الدنيا؛ لأن الآخرة أبقى؛ أي: أن الفرح بهما أفضل وأنفع من الفرح بما يجمعونه من الذهب والفضة والأنعام والحرث والخيل المسومة وسائر خيرات الدنيا؛ لأنه هو سبب السعادة في الدارين، وتلك سبب السعادة في الدنيا الزائلة فحسب، فقد نال المسلمون في العصور الأولى بسببه الملك الواسع، والمال الكثير، مع الصلاح والإصلاح مما لم يتسن لغيرهم من قبل، ولا من بعد. وبعد أن جعلوا ديدنهم جمع المال ومتاع الدنيا، ووجهوا همتهم إليه وتركوا هداية القرآن في إنفاقه والشكر عليه، ذهبت دنياهم من أيديهم إلى أيدي أعدائهم.

فإن قلت: الأمر بالفرح في قوله: {فَلْيَفْرَحُوا} ينافي النهي عنه في قوله: {لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ}.

قلت: لا منافاة بينهما، لاختلاف المتعلق، فالمأمور به هنا الفرح بفضل الله وبرحمته، والمنهي هناك، الفرح بجمع الأموال لرئاسة الدنيا وإرادة العلو بها والفساد والأشر، ولذلك جاء بعده {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} وقبله {إنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ}.

وقرأ (١) السبعة والجمهور: {فَلْيَفْرَحُوا} بالياء التحتية أمرًا للغائب. وقرأ يعقوب من العشرة، وأبي ويزيد بن القعقاع والأعمش وعمرو بن فائد وكثير من السلف: {فلتفرحوا} بالتاء الفوقية خطابًا لأصحاب محمَّد، والمعنى على هذا فلتفرحوا بذلك يا أصحاب محمَّد، هو خير مما يجمع الكفار. وفي مصحف أبي {فبذلك فافرحوا} وهذه هي اللغة الكثيرة الشهيرة في أمر المخاطب، وأما فليفرحوا بالياء، هي لغة قليلة. وقرأ أبو التياح والحسن. {فليفرحوا} بكسر


(١) البحر المحيط والشوكاني.