للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأمر في أرزاق العباد في السماء على ما قد ثبت في اللوح المحفوظ، من ذكره سبحانه وتعالى لكل شيء فيه.

والظاهر (١): أن أم هنا متصلة، كما قال السفاقسيّ، أي: آلله أذن لكم، أم تكذبون عليه في نسبة الإذن إليه، ويجوز أن تكون منقطعة بمعنى، بل وهمزة التقرير لافترائهم بمعنى، بل أتفترون على الله ذلك، وإظهار الاسم الشريف وتقديمه على الفعل للدلالة على كمال الافتراء.

وفي هذه الآية الشريفة (٢): ما يصك مسامع المتصدرين للإفتاء لعباد الله في شريعته، بالتحليل والتحريم، والجواز وعدمه، مع كونهم من المقلدين الذين لا يعقلون حجج الله تعالى، ولا يفهمونها، ولا يدرون ما هي. ومبلغهم من العلم الحكاية لقول قائل من هذه الأمة قد قلدوه في دينهم، وجعلوه شارعًا مستقلًا ما عمل به من الكتاب والسنة، فهو المعمول به عندهم، وما لم يبلغه ولم يفهمه حق فهمه أو فهمه وأخطأ الصواب في اجتهاده وترجيحه، فهو في حكم المنسوخ عندهم، المرفوع حكمه عن العباد، مع كون من قلدوه متعبدًا بهذه الشريعة، كما هم متعبدون بها ومحكومًا عليه بأحكامها، كما هم محكوم عليهم بها، وقد اجتهد رأيه، وأدى ما عليه، وفاز بأجرين مع الإصابة وأجرًا واحدًا مع الخطأ. إنما الشأن في جعلهم لرأيه، الذي أخطأ فيه شريعةً مستقلة ودليلًا معمولًا به، وقد أخطؤوا في هذا خطأً بينًا، وغلطوا غلطًا فاحشًا فإن الترخيص للمجتهد في اجتهاد رأيه يخصه وحده، ولا قائل من أهل الإِسلام المعتد بأقوالهم إنه يجوز لغيره أن يعمل به تقليدًا له واقتداءً به، وما جاء به المقلدة في تقوم هذا الباطل فهو من الجهل العاطل، اللهم ارزقنا من العلم ما نميز به بين الحق والباطل، وارزقنا من الإنصاف ما نظفر به بما هو الحق عندك، يا واهب الخير والعطايا، ومانح التوفيق والهدايا.


(١) الفتوحات.
(٢) الشوكاني.