للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَلَا فِي السَّمَاءِ} فـ {مِن} زائدة؛ أي: ولا يغيب عن علم ربك ما يساوي في الثقل نملة صغيرة، أو هباء في دائرة الوجود والإمكان السفلي والعلوي.

وقرأ الكسائي وابن وثاب والأعمش وابن مصرف (١): {يعزب} بكسر الزاي وكذا في سبأ. وقرأ باقي السبعة: بالضم، وهما لغتان فصيحتان.

وفي التعبير (٢) بيعزب الدال على الخفاء والبعد، دليل على أن ما شأنه أن يغيب ويبعد عنا من أعالنا، لا يغيب عن علمه تعالى، وقدم ذكر الأرض؛ لأن الكلام مع أهلها.

ثم أكد سبحانه ما سبق وبين إحاطة علمه بكل شيء فقال: {وَلَا} يعزب عن علمه من {أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ}؛ أي: شيء أصغر من الذرة مما لا تبصرونه من دقاثق الكون وخفاياه {وَلَا أَكْبَرَ} من ذلك وإن عظم مقداره كعرشه تعالى. فأصغر وأكبر معطوفان على لفظ مثقال، وانتصبا لكونهما ممنوعين من الصرف، وسيأتي في مبحث الإعراب إيضاح ما في المقام من أوجه الإعراب وبيان الراجح منها، فانظره {إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}؛ أي: في لوح محفوظ؛ أي: إلا وهو معلوم له تعالى، ومحصى عنده في كتاب عظيم الشأن، فكيف يغيب عن علمه وهو الكتاب الذي كتب فيه مقادير الموجودات كلها، إكمالًا للنظام، وبيانًا لضبط جميع الأعمال وفي معنى الآية قوله: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (٣٨) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (٣٩)}.

وفي ذلك (٣): إشارة إلى أن في الوجود أشياء لا تدركها الأبصار، وقد أثبت العلم الحديث بوساطة الآلات التي تكبر الأشياء أضعافًا مضاعفة أن هناك أشياء لا يمكن رؤيتها، إلا إذا كبرت عن حقيقتها آلاف المرات كالجراثيم - المكروبات - ولم تكن تخطر على البال في عصر التنزيل وقد ظهرت للناس الآن، فهي من روائع الإعجاز العظيمة الدالة على أنه من كلام العليم الخبير.


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.