للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

طاقتي {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ}؛ أي: فأعدوا أمركم، واعزموا على ما تقدمون عليه في أمري وإهلاكي {و} ادعوا {شركاءكم} وأصنامكم الذين تعبدونهم من دون الله لنصرتكم، كما أنا أدعو ربي، وأتوكل عليه. وإنما (١) حثهم على الاستعانة بالأصنام بناءً على مذهبهم واعتقادهم أنها تضر وتنفع مع اعتقاده أنها جماد لا تضر ولا تنفع، فهو كالتبكيت والتوبيخ لهم. أو ادعوا من يشاركونكم في الدين والقول، ليساعدوكم فيما تريدون بي، من السعي في إهلاكي {ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ} الذي تعتزمونه في إهلاكي {عَلَيْكُمْ غُمَّةً}؛ أي: غمًّا وهمًّا ومبهمًا، وخفيًّا عليكم فيه حيرة ولبس، بل كونوا على بصيرة كيلا تتحولوا عنه، والغم والغمة، كالكرب والكربة، والمعنى: ولا يكن قصدكم إلى هلاكي مستورًا عليكم، ولكن مكشوفًا مشهورًا تجاهرونني به {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ}؛ أي: ثم أدوا إلى ذلك الأمر بعد إجماعه واعتزامه، وبعد استبانته التي لا غمة فيها ولا التباس بأن تنفذوه بالفعل بعد استيفاء مقدماته كلها {وَلَا تُنْظِرُونِ}؛ أي: ولا تمهلوني بتأخير هذا القضاء عني بعد إعلامكم إياي ما اتفقتم عليه.

والخلاصة (٢): أن نوحًا طلب إلى قومه على كثرتهم وقوتهم أن يفعلوا ما استطاعوا من الإيقاع به، مطالبةً المدل الواثق ببأسه وقوته، المعتصم بإيمانه بوعد ربه وتوكله عليه، فأمرهم بإجماع أمرهم بصادق العزيمة، وقوة الإرادة، وأن يضموا إلى هذه القوة النفسية قوة الإيمان بشركائهم وآلهتهم، وأن لا يكون في أمرهم الذي أجمعوا عليه شيء من الغمة والخفاء، الذي قد يوجب الوهن والتردد في التنفيذ.

وقرأ الجمهور (٣): {مَقَامِي} بفتح الميم؛ أي: قيامي بالتذكير والدعوة إلى التوحيد. وقرأ أبو مجلز وأبو رجاء وأبو الجوزاء {مقامي} بضمها؛ أي: إقامتي ومكثي بين أظهركم. وقرأ الجمهور: {فأجمعوا} بقطع الهمزة من أجمع الرجل


(١) الخازن.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط بتصرف وتلخيص.