للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بقلبه وإن آمنوا ظاهرًا. قال النحاس: ومن أحسن ما قيل: إنه لقوم بأعيانهم، انتهت. {كَذَلِكَ}؛ أي: مثل ذلك الطبع العظيم الذي طبعناه على قوم نوح، ومن بعدهم من الأمم {نَطْبَعُ} ونختم {عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ}؛ أي: على قلوب المتجاوزين الحد في الكفر والتكذيب والعناد، المتجافين عن قبول الحق وسلوك طريق الرشاد، وذلك بخذلانهم وتخليتهم وشأنهم، لانهماكهم في الغي والضلال، أمثالهم في كل قوم كقومك إذ كانوا مثلهم في اللجاج والعتو والاستكبار في الأرض {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} وقرأ الجمهور (١): {نَطْبَعُ} بالنون، والعباس بن الفضل، بالياء والكاف للتشبيه؛ أي: مثل ذلك الطبع المحكم الذي يمتنع زواله، نطبع على قلوب المعتدين المجاوزين طورهم والمبالغين في الكفر والتكذيب والعناد والعتو.

٧٥ - {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ} هذا عطف قصة على قصة، وخاص على عام، لمزيد الغرابة في وقائع موسى مع فرعون، كل هذا تسلية للنبي، - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: ثم أرسلنا من بعد أولئك الرسل، صلوات الله وسلامه عليهم، {مُوسَى} بن عمران {و} أخاه {هارون} معه {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ}؛ أي: إلى فرعون مصر وأشراف قومه، وخصهم بالذكر؛ لأن قومهم القبط كانوا تبعًا لهم، يكفرون بكفرهم ويؤمنون بإيمانهم إن آمنوا، ويرجعون إليهم في إقامة المصالح والمهمات حالة كونهما مؤيدين {بِآيَاتِنَا} التسع المبينة في سورة الأعراف، وخص موسى وهارون بالذكر مع دخولهما تحت الرسل، لمزيد شرفهما وخطر شأن ما جرى بينهما وبين فرعون {فَاسْتَكْبَرُوا} عن قبولها ولم يتواضعوا لها؛ أي: أعرضوا عن الإيمان بها كبرًا وعلوًا، مع علمهم بأن ما جاءا به هو الحق لما كانوا عليه من العلم بصناعة السحر {و} لما {كانوا قوما مجرمين}؛ أي: راسخين في الإجرام والظلم والفساد في الأرض، فبسبب ذلك اجترؤوا على ردها؛ لأن الذنوب تحول بين صاحبها وبين إدراك الحق وإبصار الصواب. قيل: وهذه الجملة معترضة مقررة لمضمون ما قبلها، والاستكبار (٢): ادعاء الكبر من غير استحقاق، والفاء فيه فاء


(١) البحر المحيط.
(٢) الفتوحات.