للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والبراهين الواضحة، وقد مضت سنة الله، بأن السحرة لا يفوزون في الأمور الهامة، كالدعوة لدين، والتأسيس لملك، وذلك ما تتهمونني به على ضعفي وقوتكم، فإن السحر خيال وشعوذة، لا تلبث أن تفتضح وتزول.

٧٨ - وجملة قوله: {قَالُوا أَجِئْتَنَا} مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، واقعًا في جواب سؤال مقدر تقديره: فماذا قالوا بعد أن قال لهم موسى ما قال؛ أي: قالوا لموسى منكرين {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا}؛ أي: لتصرفنا {عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} من عبادة الأصنام {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ}؛ أي: الملك والعز {فِي الْأَرْضِ}؛ أي: في أرض مصر {وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ}؛ أي: بمصدقين والهمزة في {أَجِئْتَنَا} للاستفهام الإنكاري بمعنى النفي؛ أي (١): قالوا له منكرين: ما جئتنا إلا لتصرفنا عما وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا من ديننا، لنتبع دينك وتكون لك ولأخيك كبرياء الرياسة الدينية وما يتبعها، من كبرياء الملك والعظمة الدنيوية التابعة لها في أرض مصر كلها، وما نحن بمتبعين لكما اتباع إيمان وإذعان، فيما يخرجنا من دين آبائنا، الذي تدين به عامتنا وتتمتع بكبريائه خاصتنا، وهم الملك وأشراف قومه.

والخلاصة: أنه لا غرض لك من تلك الدعوة إلا هذا، وإن لم تعترف به، وقد وجهوا الخطاب أولًا لموسى؛ لأنه هو الداعي لهم، وأشركوا معه أخاه في فائدة الدعوى، والغرض منها، وهي الكبرياء في الأرض؛ لأنهما سيشتركان فيها. وقرأ (٢) ابن مسعود وإسماعيل والحسن فيما زعم خارجة وأبو عمرو وعاصم، بخلاف عنهما ويكون بالياء التحتانية لمجاز تأنيث الكبرياء. وقرأ الجمهور: بالتاء الفوقانية لمراعاة تأنيث اللفظ.

٧٩ - {وَقَالَ فِرْعَوْنُ} لملئه بعد أن يئس من إلزامه بالقول: اعملوا على دفع حجته بالفعل و {ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} بفنون السحر حاذق ماهر فيه، قال: هكذا، لما رأى اليد البيضاء والعصا؛ لأنه اعتقد أنهما من السحر فأمر قومه بأن يأتوه بكل ساحر عليم. والمخاطب بقوله: {ائْتُونِي} خدمة فرعون، والمتصرفون بين يديه. وقرأ (٣) ابن مصرف وابن وثاب وعيسى وحمزة


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.