للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يكون الإيمان يقينًا إلا إذا صدقه العمل وهو الإِسلام، وخطاب موسى لمن آمن بقوله: {يَا قَوْمِ} دليل على أن المؤمنين من الذرية كانوا من قومه. وليس (١) في الآية دلالة على إيمان جميع قومه، إذ الإيمان باللهِ غير الإيمان لموسى، المتضمن معنى الإِسلام، والاتباع، الذي أشير إليه بقوله: {إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} فهم قد طلبوا منه بعد ما نجاهم من الغرق، أن يجعل لهم آلهة من الأصنام، ثم اتخذوا العجل المصنوع وعبدوه. وقيل: إنما أعيد قوله: {إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} بعد قوله: {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ} لإرادة إن كنتم موصوفين بالإيمان القلبي وبالإِسلام الظاهري، ودلت الآية على أن التوكل على الله والتفويض لأمره من كمال الإيمان، وإن من كان يؤمن باللهِ فلا يتوكل إلا على الله لا على غيره.

٨٥ - {فَقَالُوا}؛ أي: فقال: قوم موسى مجيبين له {عَلَى اللَّهِ} سبحانه وتعالى لا على غيره {تَوَكَّلْنَا}؛ أي: اعتمدنا في أمورنا كلها ثم دعوا ربهم فقالوا: {رَبَّنَا} ويا مالك أمرنا {لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}؛ أي: لا تجعلنا موضع فتنة لهم؛ أي: مفتونين لهم؛ أي (٢): لا تمكنهم من أن يحملونا بالقهر على أن ننصرف عن هذا الدين الحق، الذي قبلناه أو المعنى (٣): لا تظهرهم علينا، ولا تهلكنا بذنوبهم فيظنوا أنا لم نكن على الحق فيزدادوا طغيانًا وكفرًا. وقال مجاهد لا تعذبنا بعذاب من عندك، فيقول قوم فرعون: لو كانوا على حق لما عذبوا، ويظنوا أنهم خير منا فيفتتنوا بذلك. وقيل معناه: لا تسلطهم علينا فيعذبونا، حتى يفتنونا عن ديننا.

٨٦ - ولما قدموا التضرع إلى الله سبحانه في أن يصون دينهم عن الفساد .. أتبعوه بسؤال عصمة أنفسهم فقالوا: {وَنَجِّنَا}؛ أي: خلصنا {بِرَحْمَتِكَ} وحفظك وغوثك وإحسانك وإنعامك {مِنَ} أيدي {الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}؛ أي: من أيدي فرعون وقومه، ومن سوء جوارهم وشؤم مصاحبتهم؛ لأنهم كانوا يستعبدونهم ويستعملونهم في الأعمال الشاقة. وفي هذا دليل على أنه كان لهم اهتمام بأمر الدين فوق اهتمامهم بسلامة أنفسهم.


(١) المراغي.
(٢) المراح.
(٣) الخازن.