للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وخلاصة (١) ما قالوا: ربنا لا تسلطهم علينا فيفتنونا، ولا تفتنا بهم فنتولى عن اتباع نبينا، أو نضعف فيه، فرارًا من شدة ظلمهم لنا، ولا تفتنهم بنا فيزدادوا كفرًا وعنادًا وظلمًا بظهورهم علينا، ويظنوا أنهم على الحق ونحن على الباطل، وقد دلت التجارب على أن سوء حال المؤمنين، من ضعف أو فقر تجعلهم موضعًا لافتتان الكفار بهم، باعتقاد أنهم خير منهم، كما جاء في قوله: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ}.

٨٧ - وقوله: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ ...} الآية، لما أرسل (٢) موسى أمر فرعون بمساجد بني إسرائيل فخربت كلها، ومنعوا من الصلاة فأمروا أن يتخذوا مساجد في بيوتهم ويصلون فيها خوفًا من فرعون، فذلك قوله: {أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا}؛ أي: وقلنا لموسى وأخيه هارون اتخذا واجعلا لقومكما {بِمِصْرَ بُيُوتًا}؛ أي: بيوتًا في مصر تكون مساكن وملاجىء، تعتصمون بها ومرجعًا ترجعون إليها للعبادة.

والمعنى: أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى موسى وأخيه أن يتخذا لقومهما مساكن، بأرض مصر، يتوطنون بها، ويعبدون الله فيها رغمًا عن أنف عدوهم فرعون، وهذا طمأنينة للقوم، فإنهم كانوا خائفين من فرعون. وقيل: مصر (٣) في هذه الآية هي الإسكندرية، وقيل: هى مصر المعروفة لا الإسكندرية، ومصر من البحر إلى أسوان والإسكندرية من أرض مصر. وقرأ حفص في رواية هبيرة {تبويا} بالياء وهذا تسهيل غير قياسي، ولو جرى على القياس، لكان بين الهمزة والألف، ذكره أبو حيان.

{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً}؛ أي: اجعلوها مستقبلة للقبلة لتصلوا فيها سرًّا، لئلا يصيبكم من الكفار معرة بسبب الصلاة، كما كان المؤمنون في أول الإِسلام بمكة على هذه الحالة، والمراد بالقبلة جهة بيت المقدس؛ لأنها قبلة اليهود إلى اليوم. وقيل: جهة الكعبة، وأنها قبلة موسى ومن معه {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} التي


(١) المراغي.
(٢) تفسير الواحدي.
(٣) الشوكاني.