للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سواهم، اعتقادا منهم بأنهم شعب الله، وأفضل خلقه؛ فهال المصريين ما رأوا، وخافوا إذا هم كثروا أن يغلبوهم على بلادهم، ويستأثروا بخيراتها، وينتزعوها من بين أيديهم، وهم ذلك الشعب النشيط، المجدّ، العامل، المفكّر، فعملوا على انقراضهم بقتل ذكرانهم، واستحياء بناتهم، فأمر فرعون القوابل أن يقتلن كل ذكر إسرائيلي حين ولادته، فكان من أمرهم ما ذكره الله سبحانه بقوله: {يَسُومُونَكُمْ ...} إلخ.

والعبرة من هذه القصص: أنه كما أنعم على اليهود، ثمّ اجترحوا الآثام، فعاقبهم بصنوف البلاء، ثم تاب عليهم وأنجاهم أنعم على الأمة الإسلامية بضروب من النعم، فقد كانوا أعداء، فألّف بين قلوبهم، وأصبحوا بنعمته إخوانا، وكانوا مستضعفين في الأرض، فمكّن لهم وأورثهم أرض الشعوب القوية، وجعل لهم فيها السلطان والقوة، وجعلهم أمة وسطا لا تفريط لديها ولا إفراط، ليكونوا شهداء على من فرّطوا، أو قصّروا.

ثم لما كفروا بهذه النعم (١)، أذاقهم الله تعالى ألوانا من العذاب على يد التّتار في بغداد، وفي الحروب الصليبية، إذ جاس الغربيون خلال الديار الإسلامية، ولا يزالون ينتقصون بلادهم من أطرافها، ويصبون عليهم العذاب، وهم لاهون ساهون، وكلما حلت كارثة، أو أصابتهم جائحة، أحالوا الأمر فيها على القضاء والقدر، دون أن يتعرّفوا أسبابها، ويبادروا إلى علاجها، ويكونوا يدا واحدة على رفع ما يحل بهم من النكبات، ويدهمهم من الويلات. وقوله: {يَسُومُونَكُمْ} حال من آل فرعون؛ أي: واذكروا قصة وقت تنجيتنا آباءكم من آل فرعون وقومه، حالة كونهم يذيقونكم {سُوءَ الْعَذابِ} وأشده، ويكلفونكم أشقّ الأشغال، وأتعبها، وأصعبها. وقيل: حال من ضمير المفعول في نجيناكم، والمعنى: نجيناكم مسومين منهم أقبح العذاب، كقولك: رأيت زيدا يضربه عمرو؛ أي: حال كونه مضروبا لعمرو. وذلك (٢) أنّ فرعون جعل بني إسرائيل


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.