للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خدما وخولا، وصنفهم في الأعمال، فصنف يبنون، وصنف يحرثون ويزرعون، وصنف يخدمونه، ومن لم يكن منهم في عمل، وضع عليهم الجزية، وقال وهب: كانوا أصنافا في أعمال فرعون، فذو القوة ينحتون السواري من الجبال، ويحملونها حتى قرحت أعناقهم وأيديهم، ودبرت ظهورهم من قطعها ونقلها، وطائفة ينقلون الحجارة والطين، يبنون له القصور، وطائفة منهم يضربون اللبن، ويطبخون الآجر، وطائفة نجارون، وحدادون، والضعفة منهم يضرب عليهم الخراج ضريبة، ويؤدونها كل يوم، فمن غربت عليه الشمس قبل أن يؤدي ضريبته، غلت يمينه إلى عنقه شهرا، والنساء يغزلن الكتان وينسجن. وقيل تفسير قوله: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ} ما بعده، وهو قوله تعالى: {يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ}؛ أي: يقتلّون أبناءكم الصغار بالذبح، فهو مستأنف استئنافا بيانيا، كأنه قيل: ما حقيقة سوء العذاب الذي يذيقونهم، فأجيب بأنهم يذبحون أبناءهم؛ أي: يقتلونهم، والتشديد للتكثير، كما يقال: فتحت الأبواب، والمراد من الأبناء: هم الذكور خاصّة، بدليل المقابلة بما بعده، وأن الاسم يقع على الذكور والإناث في غير هذا الموضع، كالبنين في قوله تعالى: {يا بَنِي إِسْرائِيلَ} فإنهم كانوا يذبحون الغلمان لا غير، وكذا أريد به الصغار دون الكبار؛ لأنهم كانوا يذبحون الصغار.

فإن قلت: ما الحكمة في ترك العاطف هنا في قوله: {يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ}؟ وذكره في سورة إبراهيم؟.

قلت: لأن ما هنا من كلام الله تعالى فوقع تفسيرا لما قبله، وما هناك من كلام موسى، وكان مأمورا بتعداد المحن في قوله: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} فعدد المحن عليهم، فناسب ذكر العاطف. انتهى من «فتح الرحمن».

وقرأ الجمهور {يُذَبِّحُونَ} (١) بالتشديد، وهو أولى؛ لظهور تكرار الفعل باعتبار متعلقاته. وقرأ الزهريّ، وابن محيصن {يذبحون} مخففا من ذبح المجرد؛ اكتفاء بمطلق الفعل، وللعلم بتكريره من متعلقاته. وقرأ عبد الله


(١) البحر المحيط.