للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والكرامة ونحو ذلك، وتوجه إلى الله أن يتم أمره {رَبَّنَا} ويا مالك أمرنا {إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ}؛ أي: أعطيت فرعون وأشراف قومه وكبراءهم {زِينَةً}؛ أي: ما يتزين به من حلي وحلل، وآنية وماعون، وأثاث ورياش {وَأَمْوَالًا} كثيرة من صامت وناطق، أي: من ذهب وفضة وزروع وأنعام، يتمتعون بها، وينفقون منها في حظوظهم وشهواتهم. فالمراد (١) بالزينة: ما يتزين به من ملبوس ومركوب وغلمان وحلية وفراش وسلاح، وأثاث البيت الفاخر والأشياء الجميلة، والمال ما زاد على هذه الأشياء، من الصامت ونحوه {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ثم كرر النداء تأكيدًا للدعاء والاستغاثة فقال: {رَبَّنَا} ويا مالك أمرنا، آتيت فرعون وملأه زينة وأموالًا {لِيُضِلُّوا} غيرهم {عَن سَبِيلِكَ}؛ أي: لتكون عاقبة ذلك إضلال عبادك، عن السبيل الموصلة إلى مرضاتك، باتباع الحق والعدل وصالح العمل. والمعنى (٢): إنك آتيتهم النعم المذكورة ليشكروها، ويتبعوا سبيلك، فكان عاقبة أمرهم أنهم كفروها، وضلوا عن سبيلك، وأضلوا غيرهم. وقد جرت (٣) سنّة الله بأن كثرة الأموال تورث الكبرياء والخيلاء والبطر والطغيان، وتخضع رقاب الناس لأربابها، كما قال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (٧)}. وقد أثبت البحث والتنقيب في نواويس قبور المصريين التي كشفت حديثًا، وفيما حفظ في دور الآثار المصرية، وغيرها من العواصم الأوروبية، ما يشهد بكثرة تلك الأموال، ووجود أنواع من الزينة والحلي، لم تكن لتخطر على البال، ويدل على أرقى أنواع المدنية والحضارة التي لا تضارعها مدنية العصر الحاضر، مع ما بلغه العلم والرقي العقلي في الإنسان.

قوله: {لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ} وقد اختلف (٤) في هذه اللام الداخلة على الفعل، فقال: الخليل وسيبويه: إنها لام العاقبة والصيرورة، والمعنى: أنه لما كان عاقبة أمرهم الضلال صار كأنه سبحانه، أعطاهم ما أعطاهم من النعم، ليضلوا، فتكون اللام على هذا، متعلقة بـ {ءَاتَيْتَ}. وقيل إنها لام كي؛ أي:


(١) الخازن.
(٢) الفتوحات.
(٣) المراغي.
(٤) الشوكاني.