للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أعطيتهم لكي يضلوا. وقال قوم: إن المعنى: أعطيتهم ذلك لئلا يضلوا، فحذفت لا، كما قال سبحانه: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}. قال النحاس: ظاهر هذا الجواب حسن، إلا أن العرب لا تحذف لا إلا مع أن، فموه صاحب هذا التأويل بالاستدلال بقوله: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} وقيل: اللام للدعاء عليهم، والمعنى: ابتلهم بالهلاك عن سبيلك، واستدل هذا القائل بقوله سبحانه بعد هذا: {اطمس} و {اشدد}. وقد أطال صاحب "الكشاف" في تقرير هذا بما لا طائل تحته، والقول الأول هو الأولى، كما اقتصرنا عليه في حلّ الآية.

وقرأ (١) أبو الفضل الرقاشي {إنك آتيت} على الاستفهام. وقرأ الكوفيون وقتادة والأعمش وعيسى والحسن والأعرج بخلاف عنهما: {ليضلوا} بضم الياء من أضلّ الرباعي. وقرأ الحرميان، نافع وابن كثير والعربيان، أبو عمرو وابن عامر ومجاهد وأبو رجاء والأعرج وشيبة وأبو جعفر، وأهل مكة، بفتحها من ضل الثلاثي. وقرأ الشعبي: بكسرها والى بين الكسرات الثلاث.

ولما قدم ذكر الأموال، وهي أعز ما ادخر، دعا بالطموس عليها، فقال: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ}؛ أي: ربنا امحق أموالهم، وأهلكها بالآفات التي تستأصل زروعهم، والجوائح التي تهلك أنعامهم، وتنقص مكاسبهم، فيذوقوا ذل الحاجة. وقرأ الشعبي وفرقة {اطمس} بضم الميم، وهي لغة مشهورة. قال ابن (٢) عباس ومحمد بن كعب، صارت دراهمهم حجارة منقوشة صحاحًا وأثلاثًا وأنصافًا، ولم يبق لهم معدن، إلا طمس عليه، فلم ينتفع بها أحد بعد. وقال قتادة بلغنا أن أموالهم وزروعهم صارت حجارة. وقال مجاهد أهلكها حتى لا ترى {وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ}؛ أي: اجعلها قاسية ومربوطة حتى لا تلين ولا تنشرح للإيمان {فَلَا يُؤْمِنُوا} جواب (٣) للدعاء أو دعاء بلفظ النهي، أو عطف على {لِيُضِلُّوا} {حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} وإنما دعا موسى عليهم بهذا الدعاء، لما علم


(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراح.