للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رباعيًّا. وقرأ الحسن: {وعدوا} بضم العين وتشديد الواو، بوزن علا يعلو علوًا، وتقدم في الأنعام، وعدوًا وعدوًا. من العدوان. وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: {أنه} بفتح الألف، والمعنى آمنت بأنه على حذف الباء، فلما حذف حرف الجر وصل الفعل إلى أن ففتح. وقرأ حمزة والكسائي: {إنه} بكسر الهمزة على الاستئناف ابتداء كلام، أو بدلًا من آمنت، أو على إضمار القول؛ أي: قائلًا إنه.

٩١ - ولما لحقه من الدهش ما لحقه كرر (١) المعنى الواحد بثلاث عبارات، حرصًا منه على القبول المفضي إلى النجاة، ولكن هيهات، فقد فات الوقت، وجاء الإيمان حين اليأس، وهو لا يجدي فتيلًا ولا قطميرًا، وهذا ما بينه سبحانه بقوله: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ}؛ أي؛ وقيل له: أتسلم الآن حين يئست من الحياة، وأيقنت بالممات، وقد عصيت وخالفت أمر ربك قبل ذلك، وضيعت التوبة في وقتها، وآثرت دنياك الفانية على الآخرة الباقية، {وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} في الأرض الظالمين للعباد، الغالين في الضلال والإضلال عن الإيمان, فدعواك الإِسلام الآن لا تقبل، فقد صار إسلامك اضطرارًا، لا اختيارًا، ولم (٢) يقبل ذلك من فرعون؛ لأنه إنما آمن عند نزول العذاب، وإنما أقر بعزة الربوبية ووحدانية الله تعالى، ولم يقر بنبوة موسى؛ ولأن ذلك الإقرار كان مبنيًّا على محض التقليد، وهو كان دهريًّا منكرًا لوجود الصانع، وإنما ذكر هذه الكلمة ليتوسل بها إلى دفع تلك البلية الحاضرة.

وخلاصة المعنى (٣): آلآن تقر لله بالعبودية، وتستسلم له بالذلة، وتخلص له الألوهية، وقد عصيته قبل نزول نقمته بك، فأسخطته على نفسك، وكنت من المفسدين في الأرض الصادين عن سبيله، فهلا أقررت بما أقررت به الآن، وباب التوبة لك منفتح، والمقصود من الاستفهام في قوله: {الآن} التقريع والتوبيخ له.


(١) المراغي.
(٢) المراح.
(٣) المراغي.