للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بذنوبهم في الدنيا قبل الآخرة، كما قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} وقال: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (٣٠)}. فإن قلت (١): لِمَ ذكر المس في أحدهما والإرادة في الثاني.

قلت: كأنه أراد أن يذكر الأمرين جميعًا الإرادة والإصابة في كل واحد من الضر والخير، وأنه لا رادَّ لما يريد منهما, ولا مزيل لما يصيب به منهما، فأوجز الكلام، بأن ذكر المسَّ، وهو الإصابة في أحدهما، والإرادة في الآخر، ليدل بما ذكر على ما ترك على أنه قد كرر الإصابة في الخير في قوله: {يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}.

وجملة قوله: {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} تذييلية، ثم ختم هذه السورة بما يستدل به على قضائه وقدره،

١٠٨ - فقال: {قُلْ} لهم أيها الرسول مخاطبًا جميع الناس من حضر منهم فسمع هذه الدعوة منك ومن ستبلغه عنك: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ} وهو القرآن العظيم المشتمل على محاسن الأحكام، المبين لحقيقة هذا الدين، وقد أوحى به إلى رجل منكم {فَمَنِ اهْتَدَى} بالإيمان به {فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} لا لغيره؛ أي: فمنفعة اهتدائه مختصة بها؛ أي: فمن (٢) سلك سبيل الحق وصدق بما جاء من عند الله في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فإنما فائدة ذلك عائدة إليه؛ لأنه يفوز بالسعادة في دنياه ودينه، وذلك إنما يكون بعمله لا بعمل غيره، ولا بتأثيره بشفاعته أو وساطته.

{وَمَنْ ضَلَّ} بالإعراض عنه {فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}؛ أي: فوبال ضلاله مقصور على نفسه لا يتعداها, وليس لله حاجة في شيء من ذلك، ولا غرض يعود إليه؛ أي: ومن اعوج عن الحق الذي أتاه من عند الله وأعرض عن كتابه وعن آياته في الأنفس والآفاق، فإنما وبال ضلاله على نفسه، بما يفوته من فوائد الاهتداء في الدنيا وما يصيبه من العذاب على كفره وجرائمه في الآخرة.


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.