للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد مرّ تخريج واعد على تلك الوجوه السابقة، ولا وجه لترجيح إحدى القراءتين على الأخرى؛ لأنّ كلا منهما متواتر، فهما في الصحة على حد سواء.

وقوله {مُوسى} مفعول أوّل لواعدنا. (مو) (١) بالعبرانية الماء. و (شى) بمعنى الشجر، فقلبت الشين المعجمة سينا في العربية، وإنّما سمّي به؛ لأنّ أمّه جعلته في التابوت حين خافت عليه من فرعون، وألقته في البحر، فدفعته أمواج البحر حتى أدخلته بين أشجار عند بيت فرعون، فخرجت جواري آسية امرأة فرعون يغسلن، فوجدن التابوت فأخذنه، فسمّي عليه السلام، باسم المكان الذي أصيب به، وهو الماء والشجر. ونسبه: هو موسى بن عمران، بن يصهر بن قاهث بن لاوى، بن يعقوب إسرائيل، بن إسحاق، بن إبراهيم خليل الرحمن، عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.

{أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}؛ أي: واعدناه تمام أربعين ليلة لإيتاء التوراة، وهو مفعول ثاني لواعدنا، ولكنه على حذف مضاف كما قدرنا أمره الله سبحانه بصوم ثلاثين وهو ذو القعدة، ثم زاد عليه عشرا من ذي الحجة. قاله أبو العالية، وأكثر المفسرين.

وقيل ذو الحجة، وعشر من المحرم، وعبّر (٢) عنها بالليالي؛ لأنها غرر الشهور، وشهور العرب وضعت على سير القمر، ولذلك وقع بها التاريخ. فالليالي أولى الشّهور، والأيّام تبع لها، أو لأنّ الظّلمة أقدم من الضوء، بدليل {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ}، أو دلالة على مواصلته الصوم ليلا ونهارا؛ لأنّه لو كان التفسير باليوم، أمكن أن يعتقد أنه كان يفطر بالليل، فلمّا نصّ على الليالي، اقتضت قوّة الكلام أنّه واصل أربعين ليلة بأيامها. وهذه المواعدة للتكليم، أو لإنزال التوراة. قال المهدويّ: وكان ذلك بعد أن جاوز البحر، وسأله قومه أن يأتيهم بكتاب من عند الله، فخرج إلى الطور في سبعين رجلا من خيار بني إسرائيل، وصعد الجبل، وواعدهم إلى تمام أربعين ليلة، فقعدوا فيما ذكره المفسرون عشرين يوما وعشرة ليال، فقالوا:


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.