للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{و} الحال أنه {كلما مر} وجاوز {عَلَيْهِ}؛ أي: على نوح {مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ}؛ أي: جماعةٌ من كبراء قومه، {سَخِرُوا مِنْهُ}؛ أي: سخر الملأ من نوح وعمله، واستهزؤوا به، وضَحِكُوا منه، وتنادَوْا عليه ظَنًّا منهم أنه أُصِيبَ بالهَوَسِ والجنون.

رُوي أنهم قالوا له: أتحولت نَجَّارًا بعد أنْ كُنْتَ نَبيًّا، وليس ذلك بالغريب منهم، فإنه ما من أحد يسبق أهل عصره بما فوق عقولهم من قول أو فعل إلا سخروا منه قبل أن يكْتبَ له النجاح.

وفي وجه سخريتهم منه قولان:

أحدُهما: أنهم كانوا يرونه يَعْمل السفينةَ، فيقولون: يا نوح صرت بعد النبوة نجارًا.

والثاني: أنهم لَمَّا شاهدوه يعمل السفينة، وكانوا لا يعرفونها قبل ذلك، قالوا: يا نوح ما تصنع بها؟ قال: أمشِي بها على الماء، فعجبوا من قوله، وسَخِرُوا به.

وقال ابن عباس (١): اتَّخذَ نُوحٌ السفينةَ في سنتين، فَكَانَ طولها ثلاث مئة ذراع، وعَرْضُها خمسينَ ذراعًا، وطُولُها في السماء ثلاثينَ ذراعًا، وكانت مِن خشب السَّاجِ وجَعَلَ لها ثلاثة بطون فَجَعَل في البطن الأسفل الوحوش، والسباع، والهوام، وفي البطن الأوسط الدواب، والأنعام، ورَكبَ هو ومن معه في البطن الأعلى، وجعل معه ما يحتاج إليه من الزاد وغيره، قال قتادة: وكان بابها في عَرْضِها. انتهى.

وقال كعب الأحبار (٢): عمل نوح عليه السلام السفينةَ في ثلاثين سنة، ورويَ أنها ثلاثة أطباق: الطبقة السفلى: للدواب والوحوش، والطبقة الوسطى: للإنس، والطبقة العليا: للطير، فلما كثرت أرواث الدواب: أوحى الله سبحانه وتعالى إلى نوح عليه السلام أن اغمز ذنبَ الفيل، فغَمَزَه فوَقَع منه خنزيرٌ وخنزيرة، ومَسَح على الخنزير فوقع منه الفأر والفأرة، فأقبلوا على الروث، فأكلوه فلما أفسد الفأر في


(١) الشوكاني.
(٢) الخازن.