للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والتكرر، والمعنى: إنَّا نَسْخَرُ منكم سخريةً متحققة واقعةً كما تسخرون منَّا كذلك، أو متجددة متكررة كما تسخرون منا كذلك.

٤٠ - وحكى الزهراويُّ أنه يقرأ (١): (وَيحُلُّ) بضم الحاء، ويَحِل بكسرها بمعنى ويَجِبُ، وحتى في قوله {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا} ابتدائية، دخلَتْ على الجملة الشرطية، وجُعلت غايةً لقوله {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ}؛ أي: وكان يَصْنَعُ الفلكَ حتى إذا جاء وَقْتُ أمْرِنا وقضائنا بهلاكهم، ووَقْتُ عذابنا الموعود به {وَفَارَ التَّنُّورُ}؛ أي: نَبَعَ الماءُ من التنور؛ أي: من وَجْه الأرض أو من تنور الخُبْز، وارتفعَ بشدة، كما تَفُور القدر بغليانها، وكانَ ذلِكَ علامةً لنوح عليه السلام، رُوي (٢) أنه قيل لنوح عليه السلام: إذا رأيتَ الماء يفور من التنور، فَارْكَب ومن مَعَك في السفينة، فلما نَبَعَ الماء أخبرته امْرَأته .. فرَكِبَ، وقيل: كانَ التنور لآدم، وكانت حواء تقمر فيه الخبز، فصار إلى نوح، وكانَ من حجارةٍ وهو بالكوفة على يمين الداخل، مِمَّا يلي باب كندة في المسجد، والأقرب أن يكونَ المراد من التنور وجه الأرض، ويكون المعنى حتى إذا نَبَع الماء من وجه الأرض {قلنا} لنوح آنئذ: {احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ}؛ أي: احمل في السفينة من كل نوع من أنواع الحيوان زوجين اثنين، ذكرًا وأنثى، لِيبقى ذلك النوع بعد غرق سائر الأحياء، فيتناسل وَيبْقَى على الأرض.

وقرأ حفص (٣): {مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ} بتنوين {كلٍ}، {زوجين} مفعول به و {اثنين} نعت توكيد؛ أي: احمل من كل حيوان، زوجين اثنين كل منهما زوج للآخر، وقرأ باقي السبعة بالإضافة؛ أي: احمل من كل فردين متزاوجين اثنين، بأن تحمل من الطير ذكرًا وأنثى، ومن الغنم ذكرًا وأنثى، وهكذا، وتترك الباقي، والمرادُ من الحيوانات التي تنفعُ، والتي تلد وتبيض، فتخرج المضرات، والتي تَنْشَأ من العفونات والتراب كالدود، والقمل، والبق، والبعوض. قال البغوي: وروي عن بعضهم: أنَّ الحيَّة والعقربَ أَتيَا نوحًا عليه السلام، فَقَالتا: إحمِلنا معَك،


(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.
(٣) البحر المحيط.