للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الحيوانات أخَذه بيده، وألقاه فيها {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا}؛ أي: باسم الله سبحانه وتعالى جريانُ السفينة على الماء وإرساؤها؛ أي: وقوفها، فهو الذي يتولَّى ذلك بحوله وقوته، وحفظه وعنايته، وروي (١) أنه كان إذا أراد أنْ تجري قال: بسم الله، فَجَرَتْ، وإذا أراد أن تَرْسُو قَالَ: بسم الله، فرَسَتْ؛ أي: وقفت، ويجوز أن يكون الاسمُ مُقْحمًا كقوله:

إِلَى الْحَوَلِ ثُمَّ اسْم السَّلاَمِ عَلَيْكُمَا

وهذا تعليم من الله لعباده أنه ينبغي لهم أن يستعينوا بالله تعالى، وقد يكون المعنى أنَّ نوحًا أمرهم بأن يقولُوها كما يقولُها على تقدير اركبوا فيها قائلينَ باسم الله؛ أي: بتسخيره، وقدرته، مجْراها حين تَجْرِي ومرساها حين يرسيها, لا بحولنا ولا بقوتنا، ويحتمل أن يكونَ مجْريها ومُرْسَاهَا اسمي مكان أو زمان، أي: اركبوا فيها ذاكرينَ اسمَ الله، وقتَ جريانها أو إرسائِهَا، أو مكانهما.

وقرأ مجاهدٌ والحسنُ وأبو رجاء، والأعرج، وشيبة، ونافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر (٢): {مُجراها} بضم الميم، وقَرأ حمزةُ والكسائِيّ وحَفْصٌ بفتحها، وكلهم ضمَّ ميم {مُرساها}، وقرأ ابن مسعود، وعيسى الثقفيَّ وزيد بن علي والأعمش: {مجراها ومرساها} بفتح الميمين ظرفيْ زمان، أو مكان، أو مصدرين على التقارير السابقة، وقرأ الضَّحاك، والنخعيُّ، وابن وثاب، وأبو رجاء، ومجاهد، وابن جندب، والكلبيُّ، والجحدري: {مجريها، ومرسيها} سمي فاعل من أجرى وأَرْسى على البدل من اسم الله، ولا يكونان صفتين لكونهما نكرتَين.

{إِنَّ رَبِّي} سبحانه وتعالى {لَغَفُورٌ}؛ أي: سَتُورٌ عليكم ذنوبَكم، بتوبتكم وإيمانكم {رَحِيمٌ} لكم إذ نَجَّاكم من الغرق، ولولا مغفرتُه تعالى ورحمته إياكم، لما نجَّاكم لأنكم لا تنفكون عن أنواع الزَّلَّات؛ أي: إنَّ ربِّي لواسع المغفرة لعباده حيثُ لم يهلكهم بذنوبهم، بل يهلك الكافرينَ الظالمينَ منهم، رحيم بهم إذ


(١) البيضاوي.
(٢) البحر المحيط.