للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإعراضكم {شَيْئًا} من الضرر، لأنه غني عنكم، وعن إيمانكم لا يجوز عليه المضارُّ والمنافِع، وإنما تضرون أنفسَكم.

{إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}؛ أي: رقيب مهيمن عليه، يحفظه من كل شيء، فلا يَخْفى عليه أعمالكم، ولا يَغْفَلُ عن مجازاتكم، قيل: (وعلى) بمعنى اللام فيكون المعنى: إنَّ ربي لكل شيء حفيظ فهو يحفظني من أن تنالوني بسوء قرأ عبد الله: (ولا تنقصونه شيئًا).

٥٨ - {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا}؛ أي: عذابنا، فيكون مصدرَ أمر {نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} من قومه، وكانوا أربعةَ آلاف {بِرَحْمَةٍ} عظيمة كائنةٍ {مِنَّا} لهم؛ أي: نجَّيْنَاهم بمجرد رحمة وفضل لا بأعمالهم؛ لأنه لا يَنْجُو أحدٌ، وإن اجتهد في الأعمال، والعمل الصالح، إلا برحمة الله تعالى كما هو مذهبُ أهل السنة، وذلك أنَّ العذابَ إذا نزل قدْ يَعُمُّ المؤمنَ والكافرَ، فلما أَنْجَى الله المؤمنينَ مِنْ ذلك العذابِ كان برحمته وفضله وكرمه، وقيل: الرحمة هي الإيمان.

{وَنَجَّيْنَاهُمْ}؛ أي: ونجينا هودًا والذين آمنوا معه {مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ}؛ أي: شديد، وهو تكرير لبيان ما نجيناهم منه؛ أي: كانت تلك التنجية من عذاب غليظ، وهي السموم التي كانت تدخل أنوفَ الكفرة، وتخرج من أدبارهم، فتقطعهم إرَبًا إربًا، وفيه (١) إشارة إلى أنَّ العذاب نوعان: خفيف، وغليظ؛ فالخفيفُ هو: عذاب الشَّقَاوةِ المقدَّرة قبل خلق الخلق، والغليظ هو عذابُ الشقيّ بشقاوة معاملات الأشقياء، التي تَجْرِي عليه مع شقاوته المقدرة له قبل الوجود، وقيل (٢): المراد بالعذاب الغليظ هو عذابُ الآخرة, وهذا هو الصحيح ليحصل الفرقُ بين العذابين.

رُوي (٣): أنَّ الله تعالى لما أهلك عادًا، ونجَّى هودًا، والمؤمنين معه، أتَوا مكة، وعبدوا الله تعالى فيها حتى ماتوا، قال في "إنْسان العيون"، كُلُّ نبيّ من


(١) الخازن.
(٢) روح البيان.
(٣) الخازن.
(٤) روح البيان.