للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مذهب، بل تَدُورُ معهم حيث دَارُوا, ولوقوع صحبة أتباعهم رؤَسائهم، يعني: أنَّهم لما اتبعوا .. أتبعوا ذلك جزاءً لصنيعهم، جزاءً وفاقًا، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ}؛ أي: وأتبعوا في يَوْم القيامة أيضًا لعنةً، وهي عذابُ النار المخلَّد، حذفت لدلالة الأولى عليها، يعني وفي يوم القيامة أيضًا تتبعهم اللعنة كما تتبعهم في الدنيا، ثمَّ ذَكَر سبحانه وتعالى السببَ الذي استحقُّوا به هذه اللعنة، فقال سبحانه: {أَلَا إِنَّ عَادًا}؛ أي: انْتَبَهوا! إنَّ عادًا {كَفَرُوا رَبَّهُمْ}؛ أي: كفروا بربهم، وجحدوه كأنَّهم كانوا من الدهرية، وهم الذين يَرَوْنَ مَحْسُوسًا، ولا يرون معقولًا، وينسبون كل حادث إلى الدهر؛ أي: إنَّ عادًا كفروا نعمه عليهم، بجحودهم بآياته، وتكذيبهم لِرسُلِه كِبْرًا وعنادًا {أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ}؛ أي: انتبهوا! إنَّ اللهَ سبحانه وتعالى أَبْعَدَ عادًا منْ رحمته فبَعُدوا عنها بعدًا، والمرادُ منه تحقيرهم، وقولُه: {قَوْمِ هُودٍ} عطف بيان لعاد قُيِّدَ به, لأن عادًا عَادانَ: عادُ هود القديمةُ، وعادُ إرم الحديثةُ التي هي قوم صالح المسماة بثمود، فقومُ هود عادُ الأولى، وقومُ صالح عاد الثانية.

وإنما كرَّر ألا ودعاءَه عليهم، وأعادَ ذِكرهم تهويلًا لأمرهم، وتفظيعًا له، وحثًّا على الاعتبار بهم، والحَذَرِ من مثل حالهم، وفي "الخازن" فإنَّ (١) قلت: اللعنة معناها الإبعادُ والهلاكُ، فما الفائدة في قوله: {أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ}؛ لأنَّ الثانيَ هو الأولُ بعينه؟ قلتُ: الفائدةُ فيه: أنَّ التكرارَ بعبارتين مختلفتين، يدُلُّ على نهاية التأكيد، وأنَّهم كانوا مستحقّين له.

٦١ - وقولُه: {وَإِلَى ثَمُودَ} متعلق بمحذوف كما مَرَّ نظيره أي: وأرسلنا إلى ثمود، وهي قبيلةٌ من العرب، سُمُّوا باسم أبيهم الأكبر، ثمودَ بن عاد بن إرم بن سام، وقيل: إنما سُمُّوا بذلك لقلةِ مائهم من الثَّمد، وهو الماءُ القليلُ، وقرأ ابن وثاب، والأعمش (٢) {وإلى ثمودٍ} بالصرف على إرادة الحيّ، والجمهورُ على منع الصرف ذهابًا إلى القبيلة، وفي "تفسير أبي الليث": إنما لم ينصرفْ لأنه اسمُ قبيلة، وفي الموضع الذي ينصرف جعله اسمًا للقوم {أَخَاهُمْ}؛ أي: واحدًا منهم


(١) الخازن.
(٢) البحر المحيط.