للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ببعيد، واسألوا منه المغفرةَ، فإنه مجيبٌ لسائله

٦٢ - {قَالُوا}؛ أي: قال قومُ صالح بعد دعوتهم إلى الله تعالى، وعبادته {يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا}؛ أي: مأمولًا؛ أي: كُنَّا نرجوا أن تكونَ فِينَا سَيِّدًا مطاعًا ننتفع برأيك، ونَسْعَدُ بسيادتك {قَبْلَ هَذَا} الذي أظهرته لنا من ادعائك النُّبوَّةَ ودعوتك إلى التوحيد، أو قَبْلَ (١) هذا الوقت، وهو وقت الدعوة، كانَتْ تلوح فيك مخايل الخير، وأمارات الرشد والسداد، فإنَّكَ كنت تعطفُ على فقرائنا، وتعِينَ ضُعَفَاءنا، وتعود مَرْضَانَا فقَوِيَ رجاؤُنا فيك، فكنَّا نَرْجوك أنْ تكون لنا سَيِّدًا ننتفع بك ومستشارًا في الأمور، ومسترشدًا في التدابير، فلما سَمِعْنَا منك هذا القَول انقطع رجاؤُنا عنك، وعَلِمْنا أن لا خَيْرَ فيك.

والخلاصة (٢): أي قَدْ كنت عِندنا موضعَ الرجاءِ لِمَهامِّ أمورِنا؛ لمَا لَكَ من رجاحة عقل، وأصالَة رأي، ولحسبك ونَسبِك قبل هذه الدعوة، التي تَطلُب بها إلينا أن نبدل ديننا، زَعْمًا منك أنه باطل، فالآن قد انقطع رجاؤنا منك، ثُمَّ ذَكَروا أسباب انْقِطَاع رَجائِهم بقولهم متعجِّبين تعجّبًا شديدًا {أَتَنْهَانَا}، و (الهمزة) فيه للاستفهام الإنكاري التعجبي؛ أي: أتمنعنا من {أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا}؛ أي: ما عَبَدُوه من الأوثان، والعدول فيه إلى صيغة المضارع لحكاية الحال الماضية.

أي: عجيب منك أن تَنْهانا عن عبادة ما كان يعبدُ آباؤنا من قبلنا، وقد سِرْنا نحن على نهجهم، ولم ينكره أحدٌ علينا, ولم يستقبحه فكيف تُنْكِرُه؟ {وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} من التوحيد، وترك عبادة الأوثان {مُرِيبٍ}؛ أي: موقع في الريبة، أي: في اضطراب القلوب، وانتفاء الطمأنينة من أرابَه إذا أوقعه في الريبة، وإسنادُ الإرابة إلى الشك، وهو أن يبقى الإنسانُ متوقِّفًا بين النفي والإثبات مجازي لأنَّ الريبَ هو انتفاء ما يرجح أحد طرفي النسبة، أو تعارض الأدلة لا نفس الشك.


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.