للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٢ - أنه أرادَ قالوا معنى هذا، وقد تقدم ذلك في نحو قوله تعالى: {وَقُولُوا حِطَّةٌ}.

وثاني الوجهين: أن يكونَ منصوبًا على المصدر بفعل محذوف، وذلك الفعل في محل نصبٍ بالقول، تقديره: قالوا: سلمنا سلامًا، وهو من باب: ما نابَ فيه المصدر عن العامل فيه، وهو واجبُ الإضمار، وقوله: {قَالَ سَلَامٌ} في رفعه وجهان:

١ - أنه مبتدأ، وخبره محذوف؛ أي: سلام عليكم.

٢ - أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: أمري، أو قولي سلام، وقد تَقَدَّم أول هذا الموضوع، أن الرفعَ أدل على الثبوت من النصب، والجملةُ بأسرها، وإن كان أحدُ جزأيها محذوفًا في محل نصب بالقول. وقرأ الأخوان حَمزةُ والكسائيّ: {قال سلم} هنا، وفي سورة الذاريات: بكسر السين، وسكون اللام، ويلزم بالضرورة سقوطُ الألف. فقيل: هما لغتان كحِرْم، وحرام، وحِلٍ وحَلاَل. وقيل: السِّلْمُ، بالكسر، ضدُّ الحرب، وناسبَ ذلك, لأنه نكرهم فكأنه قال: أنَّا مُسَالِمكم غيرُ محارب لكم، اهـ.

ولفظةُ (ما) في قوله: {فَمَا لَبِثَ} نافية، و {لبث} فعل ماض بمعنى أَبْطأَ، وجملة: {أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} فاعله؛ أي: فما أبطأ (١) وتأخَّر عنهم مجيء إبراهيم بعجل حنيذ؛ أي: بولد بقر مشويّ بحجارة محماة في حفرة من الأرض من غير أن تمسه النار، فوضَعَه بين أيديهم، وكان مِنْ فعلِ أهل البادية، وكان سَمينًا يسيل منه الوَدَكُ. قال قتادة: وإنما جاءهم بعجل؛ لأنه كان عامَّة مال إبراهيم البقر، وقيل: مُكَثَ إبراهيم عليه السلام خَمَسَ عشرة ليلةً لم يأته ضيف، فاغتم لذلك، وكان يحب الضيف، ولا يأكل إلا معه، فلما جاءت الملائكة رأى أَضيافًا لم يرَ مِثْلُهُم قطُّ فَعَجَّلَ قراهم، فجاءهم بعجل سمينٍ مشويٍّ.

وقال أكثر النحويينَ (٢): (أنْ) هنا بمعنى حتى. والمعنى: فما لَبِث إبراهيم


(١) الخازن.
(٢) الشوكاني.