للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقدرته على إيجاد الولد من كَبيرَيْن. قال سعدي المفتي: أخذ جبريل عودًا من الأرض يابسًا، فدلكه بين أصبعيه، فإذا هي شجرة تهتزُّ، فعرفت أَنه من الله تعالى؛ أي: قالوا لها: لا ينبغي لك أن تعجبي من شيء يَصْدُر عن أمر الله الذي لا يُعجزه شيءٌ كما قال: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)} والله الخالق للسنن, والواضع لنظام الأسبابِ، هو الذي أرادَ أنْ يستثنيَ منها واقعةً بعينها، يجعلُها من آياته لحكمة من حِكَمِه أرادها لبعض عباده.

{رَحْمَتُ اللَّهِ} التي وسعت كلَّ شيء، واستبقت كلَّ خير {وَبَرَكَاتُهُ}؛ أي: خيراته النامية المتكاثرة في كل باب، التي من جملتها هبة الأولاد حالتان {عَلَيْكُمْ} لازمتان لكم لا تفارقكم. وحكى سيبويه {عليكم} بكسر الكاف، لمجاورة الياء كما في "القرطبي". يا {أَهْلَ الْبَيْتِ}؛ أي: يا أهلَ بيت النبوة، ويراد بالبيت، بيت السكنى كما ذكره أبو حيان. أرادوا أنَّ هذه، وأمثالَها مما يكرمكم به ربّ العزة، ويخصكم بالإنعام يا أهل بيت النبوة، فليست بمكان عَجَبٍ.

والمعنى: رحمة (١) الله الواسعةُ لكل شيء، وخيراته الفائضة منه بواسِطَة تلكَ الرحمة، لازمة لكم لا تفارقكم يا أهلَ بيت إبراهيم، فإذا رأيتم أنَّ الله خَرَق العاداتِ في تخصيصكم بهذه الكرامات العالية، فكيفَ يليق به التعجبُ، وما تلك بأُولَى آية لإبراهيم، فقد نجَّاه الله من نار قومه الظالمين، وآواه إلى الأرض التي بَارَكَ فيها للعالمين، وهذه الجملة مستأنفة. فقيل: خبر، وهو الأظهر. وقيل: دعاء. وقيل: الرحمة: النبوة، والبركات: الأسباط من بني إسرائيل؛ لأنَّ الأنبياء منهم، وكُلُّهم من ولد إبراهيم عليه السلام. {إِنَّهُ} سبحانه وتعالى {حَمِيدٌ} الفعال؛ أي: فاعل ما يستوجب به الحمدَ من عباده، لا سيما في حقها، {مَجِيدٌ} الذات أو كثيرُ الخير والإحسان إلى عباده، خصوصًا، في أنْ جَعَلَ بيتَها مهبطَ البركات.

٧٤ - {فَلَمَّا ذَهَبَ} وزال {عَنْ إِبْرَاهِيمَ} عليه السلام {الرَّوْعُ}؛ أي: الخوف والفزَعُ الذي أصابه لمَّا لم يأكلوا من العجل، واطمأنَّ قلبه بعرفانه


(١) المراح.