للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلَّا بهداية الله تعالى ومعونته.

{عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} في جميع أموري التي منها أمركم ونهيكم {وَإِلَيْهِ} سبحانه وتعالى لا إلى غيره {أُنِيبُ}؛ أي: أرجع في كل ما نابني من الأمور، وأفوض جميعَ أموري إلى ما يختاره لي من قضائه وقدره. والمعنى عليه توكلت في أداء ما كلفني به من تبليغكم ما أرسلت به إليكم، لا على حولي ولا قوتي؟ وإليه أرجع في كل ما أهمَّني في الدنيا، وهو الذي يُجازيني على أعمالي في الآخرة.

والخلاصة: أنه لا يرجو منهم أجرًا، ولا يَخْشَى منهم ضيرًا. وقيل: المعنى: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} واعتمدت في ذلك معرضًا عما عداه، فإنه القادر على كل مقدور، وما عداه عاجزٌ محض في حد ذاته، بل معدوم ساقط عن درجة الاعتبار، بمعزل عن رتبة الاستمداد به في الاستظهار {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} وأرجع فيما أنا بصدده، في جميع أموري. فقوله: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} إشارة إلى محض التوحيد الذي هو أقصى مراتب العلم بالمبدأ {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} إشارةٌ إلى معرفة المعاد.

فعلى (١) العاقل أن يجتهدَ في طريق الحق بالأذكار النافعة، والأعمال الصالحة، إلى أن يصلَ إلى مقام التوحيد الحقيقي، ثم إذا وصل إليه اقتفى بأثر الأنبياء، وكمل الأولياء في طريق النصح، والدعوة، ولم يرد إلا الإصلاح، تكثيرًا للأتباع المحمدية، وتقويمًا لأركان العالَم بالعدل، ونَظْمًا للناس في سلك الرشاد، والله ولي الإرشاد، وهو المبدء، وإليه الرجوع والمعاد.

٨٩ - {وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ}؛ أي: لا يكسبنكم، ولا يحملنكم. وقرأ يحيى بن وثاب: {يُجرمنكم} بضم الياء من أجرم الرباعي، اهـ "قرطبي". {شِقَاقِي}؛ أي: شقاقكم وعداوتكم وبُغضكم إياي {أَنْ يُصِيبَكُمْ}؛ أي: على أن ينالكم عذاب {مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ} من الغرق {أَوْ قَوْمَ هُودٍ} من الريح {أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ} من الصيحة {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} يعني: أنهم أُهلكوا بسبب الكفر، والمعاصي في عهد قريب من عهدكم، فهم أقرب الهالكين منكم، فإن لم تعتبروا


(١) روح المعاني.