للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بمَنْ قبلهم من الأمم المعدودة، فاعتبروا بهم، ولا تكونوا مِثلَهم كَيْلا يصيبكم مثل ما أصابهم من العذاب.

والمعنى: أي (١) لا تحملنكم عداوتي وبغضي وفراق الدين الذي أنا عليه على الإصرار على ما أنتم عليه من الكفر بالله، وعبادة الأوثان، وبَخْس الناس في المكيال والميزان, فيصِيبَكم مثل ما أصاب قوم نوح من الغرق، أو قوم هود من الصرصر، أو قوم صالح من الرجفة {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} زمانًا، ولا مكانًا؛ أي: إن لم تعتبروا بمن ذكرنَا قبلُ لقدم عهد، أو بُعْدِ مكان، فاعتبروا بهؤلاء فإنهم بمرأىً منكم، ومسمع، وذلك أنهم كانوا حديثي عهد بهلاكهم، وأنهم كانوا جيرانَ قوم لوط، وبلادهم قريبة من بلادهم، فإنَّ بلادَهم قريبة من مَدْيَن، وإهلاكهم أقربُ الإهلاكات التي عَرَفها الناس في زمان شعيب، وقد يكون المعنى: ليسوا ببعيد منكم في الكفر والمساوي فاحذروا أن يَحلَّ بكم مثل ما حَلَّ بهم من العذاب؛ أي: وما معاملة قوم لوط من معاملتكم، وذنوبهم من ذنوبكم ببعيد؛ لأن الكفرَ كله من جنس واحد، وصفات الكفر قريب بعضها من بعض، قال الجوهري: القومُ يذكَّر ويؤنث، والبعيد من المصادر التي يستوي فيها المذكر، والمؤنث، والجمع، والمفرد، كالزفير، والصهيل، ولذلك أخبرَ عنه ببعيد، ثمَّ بعدَ ترهيبهم بالعذاب، أمَرَهُم بالاستغفار، والتوبة فَقَال:

٩٠ - {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} من عبادة الأوثان، والأصنام {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} من البخس، والنقصان في الكيل، والوزن، أو استغفروا بالإيمان، ثمَّ ارجعوا إليه بالطاعة {إِنَّ رَبِّي} سبحانه وتعالى {رَحِيمٌ}؛ أي: كثير الرحمة للتائبين، والمستغفرين {وَدُودٌ}؛ أي: محب لهم؛ أي: فاعل بهم من اللطف، والإحسان كما يفعل البليغُ المودة بمن يوده. قال في "المفاتيح": الودود مبالغة الوَادّ، ومعناه: الذي يُحِبُّ الخيرَ لجميع الخلائِق، ويحسن إليهم في الأحوال كلها، وقيل: المحبُّ لأوليائه.


(١) المراغي.