للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأشقياء، لفساد عقيدتهم الموروثة، وسوء القدوة في العمل حتّى أحاطت بهم خطيئاتُهم، وانطَفأَ نور الفطرة مِن أنفسهم، فلهم في النار التي هي مستقرهم، ومثواهم زفير، وشهيق من حَرَج صدورهم، وضيق أنفاسهم، وشدة كروبهم. ويكون الذين شَقُوا شاملًا للكفار، وعصاة المسلمين.

١٠٧ - وقوله: {خَالِدِينَ فِيهَا}؛ أي: في النار حال من الضمير المستكن في الظرف أعني قوله: {في النار}؛ أي: فأما الذين شقوا فمستقرون في النار، حالةَ كونهم ماكثينَ فيها مكث خلود، ودوام، {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ}؛ أي: مُدةَ دوام السموات التي تظلهم، ودوام الأرض التي تقلهم. فالمراد (١) سمواتُ الآخرة، وأرضها، وهي دائمة مخلدة، ويَدُلُّ عليه قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ}، وقوله تعالى: {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ}. وأن أهل الآخرة لا بد لهم من مظل ومقلٍّ، إما سماء يخلقها الله فتظلهم، أو يظلهم العرش، وكل ما علاك فأظلك فهو سماء، وكل ما استقرت عليه قدمك فهو أرض، ولا فسادَ في التشبيه بما لا يعرِف أكثر الخلق وجودَه، ولا مانع، ونظيره تشبيه الشيء بالكيمياء، أو بمدينة إرَم وغير ذلك.

أو عبارة عن التأبيد ونفي الانقطاع كقول العرب: لا أفعلُه ما بدا كوكب، وما أضاءَ الفجر، وما تغنت حمامةٌ، والنصوص متظاهرة على تأبيدِ قرارهم فيها. وقوله: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} هو (٢) استثناء من الخلود في عذاب النار، وذلك لأن أهل النار لا يخلدونَ في عذاب النار وحده، بل يعذَّبون بالزمهرير، وأنواع من العذاب سوى عذاب النار. والمعنى: خَالِدينَ فيها مدة دوام السموات والأرض، إلا الزمان الذي شاء ربك خروجهم فيه من النار إلى الزمهرير ونحوه، أو ما شاءَ بمعنى إلا من شاء ربك خروجهم من النار بعدما دخلوا، وهم قوم يخرجون من النار، ويدخلون الجنَّةَ فيقال لهم الجهنميون، وهو المستثنون من أهل الجنة أيضًا، لمفارقتهم إيَّاهَا بكونهم في النار أيّامًا فهؤلاء لم يشقوا شقاوةَ مَنْ يدخل النار على التأبيد، ولا سَعِدُوا سعادةَ مَنْ لا تمسه النار، وهو مروي عن ابن


(١) روح البيان.
(٢) النسفي.