للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شهواتهم.

٢٣ - {وَرَاوَدَتْهُ}؛ أي: راودَتْ يوسفَ وطلبته المرأة {الَّتِي هُوَ}؛ أي: يوسف {فِي بَيْتِهَا}؛ أي: في سَكَنِها ومَنْزِلها أن يحابيَ لها {عَنْ نَفْسِهِ} ويمكنَ لها من نفسه بالمواقعة عليها، والمجامعة بها. يقال: راودَ فلان جاريتَهُ عن نفسِهَا، وراودته هي عن نَفْسِهِ إذا حاول كل واحد منهما الوطءَ والجماعَ، وهي مفاعلة. وأصلها: أن تكونَ من الجانبين فجُعِلَ السببُ هنا في أحد الجانبين قائمًا مقامَ المسبب، فكأن يوسُفَ عليه السلام - لمَّا كان ما أعطيه من كمال الخلق، والزيادة في الحسن سببًا لمراودة امرأة العزيز له - مُراود لها، وإنما قال {الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا} ولم يقُل امرأة العزيز أو زليخا قَصَدًا إلى زيادة التقرير مع استهجان التصريح باسم المرأة، والمحافظة على الستر عليها. {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} عليها، وعلى يُوسُفَ؛ أي: أطبقَتْها، وكانت سبعةً، لأنَّ مثل هذا الفعل لا يكون إلا في ستر وخفية، أو إنها أغْلَقَتْها لشِدّةِ خوفِها. {وَقَالَتْ} ليوسف {هَيْتَ}؛ أي: هلمَّ إليَّ، وأَقْبِلْ وبَادِرْ، أو تهيأت {لَكَ} لتستمتع بي وتجامعني. والمعنى: وخادعَتْ امرأة العزيز يُوسُفَ عن نفسه، وراوغته ليريدَ منها ما تريد هي منه، مُخالفًا لإرادته، وإرادة ربه، والله غالبٌ على أمره. قال في "الكشاف": كأنَّ المعنى خادعَتْه عن نفسه؛ أي: فعلت ما يفعلُ المُخادِعُ لصاحبه عن شيء لا يريد إخراجَه من يده، وهو يحتال أن يأخذه منه، وهي عبارة عن التمحل في مواقعته إياها، اهـ.

{وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ}؛ أي: وأحْكَمَتْ إغلاق بابِ المخدعَ الذي كَانَا فيه، وباب البهو الذي يكون أمامَ الغُرَفِ في بيوت العظماء، وباب الدار الخارجيِّ ورُبَّما كان هناك غيرُها {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ}؛ أي: وقالَتْ: هلم أقْبِلْ وزيدت كلمةٌ {لَكَ} لبيان المخاطب كما يقولونَ سقيًا لك، ورَعْيًا لك. وهذا الأسلوب هو الغاية في الاحتشام في التعبير، وقد يكون هناك ما زادته من إغراءٍ، وتهييج مما تقتضيه الحالُ، وما نُقل من الإسرائيليات عنها وعنه من الوقاحة فكذب فمثل هذا لا يُعْلَمُ إلا من الله، أو من الرواية الصحيحة عنها، أو عنه، ولا يستطيع أن يدَّعِي ذلك أحدٌ. وقرأ (١) نافع وابن ذكوان والأعرج وشيبة وأبو جعفر: {هَيْتَ}


(١) البحر المحيط.