للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فرائضه، وكفّ شرّه. وقيل: هو الفاعل ما يجمل طبعا، ويحمد شرعا. وأخرج ذلك عن صورة الجواب إلى الوعد؛ إيذانا بأن المحسن بصدد زيادة الثواب، وإن لم يقل حطة، فكيف إذا قالها، واستغفر، وبأنه يقول ويستغفر، لا محالة أمرهم بشيئين: بعمل يسير، وقول صغير، فالعمل الانحناء عند الدخول، والقول التكلّم بالقول، ثم وعد عليهما غفران السيئات، والزيادة في الحسنات.

٥٩ - {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا}؛ أي: غيرّ الذين ظلموا أنفسهم بالمعصية، ما قيل لهم من التوبة، والاستغفار {قَوْلًا} آخر مما لا خير فيه، فأحد مفعولي بدّل محذوف {غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} غير نعت لقولا، وإنما صرح به مع استحالة تحقق التبديل بلا مغايرة؛ تحقيقا لمخالفتهم، وتنصيصا على المغايرة من كلّ وجه، والمعنى: أنهم غيروا تلك الكلمة التي أمروا بها، وقالوا قولا غير الذي قيل لهم، فقالوا: حنطة بدل حطّة، وكذلك بدلوا الفعل الذي أمروا به من دخولهم سجدا، فدخلوا زحفا. فالحاصل: أنهم دخلوا الباب زاحفين على أدبارهم، قائلين حنطة على شعيرة؛ استخفافا بأمر الله تعالى. وقيل: قالوا (١): بالنبطية، وهي لغتهم (حطّا سمقانا) يعنون حنطة حمراء. وقال مجاهد: طؤطىء لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم، فأبوا أن يدخلوه سجدا، فدخلوا يزحفون على أستاههم مخالفة في الفعل، كما بدّلوا القول، وأما المحسنون ففعلوا ما أمروا به، ولذا لم يقل: فبدّلوا بصيغة العموم، بل قال: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} وظاهر نظم القرآن أنّهم بدّلوا القول فقط دون العمل، وبه قال جماعة. وقيل: بل بدلوا العمل والقول جميعا، فمعنى قوله: {قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} أي: أمرا غير الذي أمروا به، فإن أمر الله قول، وهو تغيير جميع ما أمروا به {فَأَنْزَلْنا}؛ أي: فعقيب ذلك التبديل أنزلنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم بتغيير ما أمروا به قولا وفعلا، ولم (٢) يقل: عليهم على الاختصار. وقد سبق ذكر الذين ظلموا في الآية؛ لأنه سبق ذكر المحسنين أيضا، فلو أطلق وأضمر، لوقع احتمال دخول


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.