للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لمّا أمكن أن يكون من الأحجار ما يحلق الشعر، ويمقّر الخلّ، ويجذب الحديد، لم يمتنع أن يخلق الله حجرا يسخّره لجذب الماء من تحت الأرض، أو لجذب الهواء من الجوانب، ويصيّره ماء بقوة التبريد، ونحو ذلك. قال القرطبي في تفسيره: ما ورد من انفجار الماء، ونبعه من يد نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، وبين أصابعه، أعظم في المعجزة، فإنا نشاهد الماء يتفجّر من الأحجار آناء الليل، وأطراف النهار، ومعجزة نبينا صلّى الله عليه وسلّم لم تكن لنبيّ قبل، إذ لم يخرج الماء من لحم ودم.

واعلم (١): أنّ المعجزات كلها من صنع الله تعالى، وهي سنّة جديدة غير ما نشاهد كل يوم، فحركة الشمس، وطلوعها من المشرق مع عظمها، لا تحدث دهشة؛ لتعودنا إياها، ولكن إذا طلعت من المغرب دون المشرق كان معجزة، وأحدث غرابة، ودهشة، مع أن الحركتين من صنع الله تعالى، لا فارق بينهما.

ولئلا تحدث الصدمة حين حصول المعجزة، يهيّىء الله الظروف لتحمّلها، ويهيّىء النبيّ لقبولها، ويهيّىء الحاضرين لمشاهدتها، وقبولها. فأمر الله موسى بإدخال يده جيبه، وإخراجها بيضاء، تهيئة لمعجزاته الأخرى. وليس للعقل أن يحكم أيّ المعجزات أعظم من الأخرى؛ لأنه يتكلم عن مجهول هو من صنع الله لا يعرفه، فلا يمكن الإنسان مهما ارتقى عقله، أن يصل إلى صنعها، بل هي فوق قدرته.

أمّا (٢) المخترعات العلمية، فهي مبنيّة على السّنن العلمية مهما ظهرت مدهشة، كالكهرباء، والمسرّة - التليفون - وغاية ما هناك: أن العلماء سخروها لأغراضهم، فالذي يتكلم في أوروبا، ويسمع صوته في مكة المكرمة، أو في مصر مثلا بوساطة الراديو، إنما استطاع ذلك؛ لأنه استخدم الهواء الذي يحمل أمواج الصوت إلى العالم كلّه، وهكذا حال سائر المخترعات، إنما هي كشف لناموس إلهي، يتكرّر دائما على يد كل إنسان، لكن المعجزات تجري على طراز آخر، فهي خلق سنة جديدة في الكون، ولا تتكرر إلا بإذن الله، ولا يعرف الإنسان لها قاعدة، ولا يدرك طريقا لصنعها. وقوله: {كُلُوا} على تقدير القول؛ أي:


(١) المراغي.
(٢) الطب الحديث.