للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وافتقاره إلى حضرته، ولسان العشق لسان التضرع والحكاية، لا لسان الجزع والشكاية، فشكاية العارف الواقف في صورة الشكوى حكاية حاله وتضرعه وافتقاره إلى حبيبه.

وروى الحاكم (١) - أبو عبد الله - في "صحيحه" من حديث أنس بن مالك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "كان ليعقوب أخ مؤاخ" فقال له ذا يوم: يا يعقوب ما الذي أذهب بصرك، وما الذي قوس ظهرك؟ قال: أما الذي أذهب بصري، فالبكاء على يوسف، وأما الذي قوّس ظهري فالحزن على بنيامين، فأتاه جبريل فقال: يا يعقوب إن الله يقرئك السلام، ويقول لك: أما تستحيي أن تشكو إلى غيري؛ فقال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، فقال جبريل: الله أعلم بما تشكو، ثم قال يعقوب: أي رب؛ أما ترحم الشيخ الكثير أذهبت بصري، وقوست ظهري، فاردد عليَّ ريحانتاي أشمهما شمة قبل الموت، ثم اصنع بي يا رب ما شئت، فأتاه جبريل فقال: يا يقعوب إن الله يقرأ عليك السلام، ويقول: أبشر فوعزتي لو كانا ميتين لنشرتهما لك، إصنع طعامًا للمساكين، فإن أحب عبادي إلي المساكين، وهل تدري لم أذهبت بصرك وقوست ظهرك وصنع إخوة يوسف بيوسف ما صنعوا؛ لأنكم ذبحتم شاة، فأتاكم فلان المسكين وهو صائم، فلم تطعموه منها، فكان يعقوب بعد ذلك إذا أراد الغداء أمر مناديًا فنادى ألا من أراد الغداء من المساكين .. فليتغد مع يعقوب، وإذا كان صائمًا أمر مناديًا فنادى من كان صائمًا .. فليفطر مع يعقوب.

وقال وهب بن منبِّه (٢): أوحى الله تعالى إلى يعقوب: أتدري لما عاقبتك، وحبست عنك يوسف ثمانين سنة؟ قال: لا، قال: لأنك شويت عناقًا، وقترت على جارك، وأكلت ولم تطعمه، وذكر بعضهم أن السبب في ذلك أن يعقوب ذبح عجل بقرة بين يديها وهي تخور، فلم يرحمها.


(١) زاد المسير.
(٢) زاد المسير.