للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

واعلم (١): أن هذه الآية تصديق لقوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}. قال صاحب "الكشاف" في تفسير الآية: أتاهم من جهة الدين، وكان حليمًا موفقًا، فكلمهم مستفهمًا على معرفة وجه القبح الذي يجب أن يراعيه التائب فـ {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ} أقبح ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون لا تعلمون قبحه، فلذلك أقدمتم عليه يعني: هل علمتم قبحه، فتبتم إلى الله منه، لأن علم القبح يدعو إلى الاستقباح، والاستقباح يجر إلى التوبة، فكان كلامه شفقة عليهم وتنصحًا لهم في الدين، لا معاتبة وتثريبًا إيثارًا لحق الله تعالى على حق نفسه في ذلك المقال الذي يتنفس فيه المكروب، وينفث المصدور، ويستنفي المغيظ المحنق، ويدرك ثأره الموتور، فلله أخلاق الأنبياء ما أوطأها وأسمحها، ولله حصا عقولهم ما أوزنها وأرجحها. اهـ.

وكان سؤاله (٢) إياهم عما فعلوا بيوسف وأخيه هو سؤال العارف بأمرهم فيه من البداية إلى النهاية مصدقًا لما أوحاه الله إليه حين ألقوه في غيابة الجبّ من قوله: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}. إذ يبعد أن يعرف هذا سواه.

٩٠ - ولما أرادوا أن يثبتوا من ذلك ويستيقنوا به وجهوا إليه سؤالًا هو سؤال المتعجب المستغرب لما يسمع وقالوا: {أإنك لَأَنْتَ يُوسُفُ}؛ أي: قالوا هل من المؤكد قطعًا أنك أنت يوسف، وقد عجبوا من أنهم يترددون عليه مدى سنتين أو أكثر وهم لا يعرفونه، وهو يعرفهم، ويكتم نفسه، والاستفهام فيه للتقرير.

قرأ ابن كثير وقتادة وابن محيصن (٣): {أَإِنَّكَ} على لفظ الخبر بغير همزة استفهام، والظاهر أنها مرادة، ويبعد حمله على الخبر المحض. وقرأ (٤) نافع: {أينك} - بفتح الألف غير ممدودة وبالياء -. وقرأ أبو عمرو: {آينك} - بمد الألف وبالياء - وهو رواية قالون عن نافع. والباقون: {أإنك} بهمزتين وكل ذلك


(١) الخازن.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
(٤) المراح.