للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إذ أجريت الأمور على سنن العدل ووفق الحكمة والسداد والملك. ضابطها هي عبارة (١) عن الاتساع في المقدور لمن له السياسة والتدبير.

روي (٢): أن يعقوب أقام مع يوسف في مصر أربعًا وعشرين سنة، وأوصى أن يدفنه بالشام إلى جنب أبيه إسحاق، فنقله يوسف بنفسه في تابوت من ساج، فوافق يوم وفاة عيص، فدفنا في قبر واحد، وكانا ولدا في بطن واحد، وكان عمرهما مئة وسبعًا وأربعين كما في تفسير أبي الليث، فلما دفن يوسف أباه وعمه رجع إلى مصر، وعاش بعد أبيه ثلاثًا وعشرين سنة، وكان عمره مئة وعشرين سنة، فلما جمع الله شمله وانتظمت أسبابه، واطردت أحواله، ورأى أمره على الكمال .. علم أنه أشرف على الزوال، وأن نعيم الدنيا لا يدوم على كل حال، قال قائلهم:

إِذَا تَمَّ أَمْرٌ دَنَا نَقْصُهُ ... تَوَقَّعْ زَوَالًا إِذَا قِيْلَ تَمّ

فسأل الله تعالى الموت على الإسلام وحسن العاقبة، والخاتمة الصالحة، فقال: يا رب قد أعطيتني ملك مصر {وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ}؛ أي: بعضًا من تعبير الرؤيا؛ لأنه لم يؤت جميع علم التأويل على التفصيل؛ سواء أريد به مطلق العلم والفهم، أو مجرد تأويل الرؤيا. وقيل: {مِنْ} (٣) للجنس كما في قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ}. وقيل: زائدة؛ أي: آتيتني الملك، وعلمتني تأويل الأحاديث؛ أي: ويا رب قد علمتني ما أعبر عن مآل الحوادث ومصداق الرؤيا الصحيحة، فتقع كما قلت وأخبرت.

قال ابن الكمال (٤): الأحاديث مبني على واحده المستعمل، وهو الحديث كأنهم جمعوا حديثًا على أحدثة، ثم جمعوا الجمع على أحاديث كقطيع وأقطعة وأقاطيع. والمراد بالأحاديث: الرؤى جمع الرؤيا، وتأويلها بيان ما تؤول هي إليه في الخارج، وعلم التعبير من العلوم الجليلة، لكنه ليس من لوازم النبوة والولاية، فقد يعطيه الله تعالى بعض خواصه على التفصيل، وبعضهم على الإجمال. {فَاطِرَ


(١) الخازن.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.
(٤) روح البيان.