للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عَلَيْهِمْ}؛ أي: من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

فإن قلت: (١) كيف قال يوسف ذلك مع علمه بأن كل نبي لا يموت إلا مسلمًا؟.

فالجواب: إما أنه حصل له حالة غلب عليه الخوف فيها، فذهل عن ذلك العلم، أو أنه دعا بذلك مع علمه إظهارًا للعبودية، والافتقار وشدة الرغبة في طلب سعادة الخاتمة، وتعليمًا لغيره، وهذه حالة زائدة على الإسلام الذي هو ضد الكفر، والمطلوب ههنا هو الإسلام بهذا المعنى. اهـ. "كرخي".

١٠٢ - {ذَلِكَ} المذكور من نبأ يوسف يا محمد {مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ}؛ أي: من الأخبار التي غاب عنك علمها {نُوحِيهِ إِلَيْكَ} على لسان جبريل، وهو خبر ثان لقوله: {ذَلِكَ} {وَمَا كُنْتَ} يا محمد {لَدَيْهِمْ}؛ أي: عند إخوة يوسف {إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ}؛ أي: حين عزموا على إلقاءهم يوسف في غيابة الجبّ، فإن الإجماع العزم على الأمر، يقال: أجمعت الأمر وعليه {وَهُمْ يَمْكُرُونَ}؛ أي: والحال أنهم يحتالون بيوسف ليقتلوه وبأبيه يعقوب ليرسله معهم؛ أي: ذلك (٢) الخبر لا سبيل إلى معرفتك إياه إلا بالوحي. وأما ما ينقله أهل الكتاب فليس على ما هو عليه. ومثل هذا التحقيق بلا وحي لا يتصور إلا بالحضور، فيكون معجزًا؛ لأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لم يطالع الكتب، ولم يأخذ عن أحد من البشر، وما كانت بلده بلد العلماء، فإتيانه بهذه القصة على وجه لم يقع فيه غلط كيف لا يكون معجزًا.

وإنما نفي الحضور وانتفاؤه معلوم بغير شبهة تهكمًا بالمنكرين للوحي من قريش وغيرهم (٣)؛ لأنه كان معلومًا عند المكذبين علمًا يقينًا أنه عليه السلام ليس من حملة هذا الحديث وأشباهه، ولا قرأ على أحد، ولا سمع منه، وليس من علم قومه، فإذا أخبر به لم يبق شبهة في أنه من جهة الوحي لا من عنده، فإذا أنكروه تهكم بهم، وقيل لهم: قد علمتم يا مكابرين أنه لا سماع له من أحد ولا قراءة، ولا حضور ولا مشاهدة لمن مضى من القرون الخالية.


(١) الفتوحات.
(٢) المراح.
(٣) روح البيان.