للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومعنى الآية: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ}؛ أي: إن نبأ (١) يوسف وأبيه يعقوب وإخوته، وكيف مكن ليوسف في الأرض، وجعل له العاقبة والنصر، وآتاه الملك والحكمة، فساس ملكًا عظيمًا، وأحسن إدارته وتنظيمه، وكان خير قدوة للناس في جميع ما دخل فيه من أطوار الحياة بعد أن أرادوا به السوء والهلاك حين عزموا أن يجعلوه في غيابة الجبّ، كل ذلك من أخبار الغيب الذي لم تشاهده ولم تره، ولكنا نوحيه إليك لنثبت به فؤادك، فتصبر على ما نالك من الأذى من قومك، ولتعلم أن من قبلك من الرسل لما صبروا على ما نالهم في سبيل الله، وأعرضوا عن الجاهلين .. فازوا بالظفر وأيدوا بالنصر وغلبوا أعداءهم. ثم أقام الدليل على كونه من الغيب بقوله: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ}؛ أي: وما كنت (٢) حاضرًا عندهم ولا مشاهدًا حين صحت عزائمهم على أن يلقوا يوسف في غيابة الجبّ يبغون بذلك هلاكه والخلاص منه، وهذا كقوله تعالى بعد سياق قصة موسى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا} الآية، وقوله في هذه القصة: {وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ...} الآية. وفي "الخازن": وفي هذه الآية دليل قاطع على صحة نبوته - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه كان أميًّا لم يقرأ الكتب، ولم يلق العلماء، ولم يسافر إلى غير بلده الذي نشأ فيه، ومع ذلك أتى بهذه القصة الطويلة على أحسن تركيب وأفصح عبارة، فعلم أن إتيانه - صلى الله عليه وسلم - بها بوحي من الله تعالى. اهـ.

١٠٣ - وخلاصة هذا: أن الله تعالى أطلع رسوله على أنباء ما سبق؛ ليكون فيها عبرة للناس في دينهم ودنياهم، ومع هذا ما آمن أكثرهم، ومن ثم قال: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ} عام لأهل مكة وغيرهم {وَلَوْ حَرَصْتَ} على إيمانهم، وبالغت في إظهار الآيات الدالة على صدقك لهم. والحرص: طلب الشيء باجتهاد في إصابته {بِمُؤْمِنِينَ} لعنادهم وتصميمهم على الكفر؛ أي: وما أكثر الناس من مشركي مكة وغيرهم ولو حرصت على أن يؤمنوا بك، ويتبعوا ما جئتهم به من


(١) المراغي.
(٢) المراغي.