للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

و {من} الموصولة مبتدأ خبره محذوف تقديره: كمن ليس كذلك من شركائهم التي لا تضر ولا تنفع، دل على ذلك المحذوف قوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ} نظير قوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} تقديره: كمن قسا قلبه يدل عليه قوله: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ}، وقد جاء مبينًا كقوله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} وقوله: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى}. وتقدير الكلام هنا: أعميتم (١) وسويتم بين الله وبين خلقه، فمن هو قائم ورقيب على كل نفس وحافظها ورازقها وعالم بها وبما عملت من خير وشر، ويجازيها بما كسبت فيثيبها إن أحسنت، ويعاقبها إن أساءت وهو الله سبحانه وتعالى وحده، كمن ليس بقائم عليها، بل هو عاجز عن نفسه، ومن كان عاجزًا عن نفسه فهو عن غيره أعجز، وهي الأصنام التي لا تضر ولا تنفع؛ أي: ليسا مستويين، بل القائم على كل نفسٍ بما كسبت هو المستحق للألوهية والربوبية، لا الأصنام التي لا تضر ولا تنفع.

ومعنى القيام (٢): التولي لأمور خلقه والتدبير للأرزاق والآجال، وإحصاء الأعمال للجزاء، يقال: قام فلان بفلان إذا كفاه وتولاه.

والمعنى: أي أفمن هو (٣) قائم بحفظ أرزاق الخلق، ومتولي أمورهم، وعالم بهم وبما يكسبونه من الأعمال من خير أو شر، ولا يعزب عن شيء كمن ليس بهذه الصفة من معبوداتكم التي لا تسمع ولا تبصر، ولا تدفع عن نفسها ولا عمن يعبدها ضرًّا ولا تجلب لهم نفعًا.

وخلاصة ذلك: أنه لا عجيب من إنكارهم لآياتك الباهرة مع ظهورها، وإنما العجب كل العجب من جعلهم القادر على إنزالها المجازي لهم على إعراضهم عن تدبر معانيها بقوارع تترى واحدة بعد أخرى يشاهدونها رأي العين كمن لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، فضلًا عن اتخاذه ربًّا يُرجى نفعه أو يُخشى ضره.


(١) الصاوي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.