للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والعاقب أسقفي نجران وأشياعهما وسائر المشركين، وهو مبتدأ خبره قوله: {مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ}؛ أي: بعض ما أنزل إليك من القرآن، وهو ما لا يوافق ما حرفوه من كتابهم وشرائعهم.

فإن قلت: إن (١) الأحزاب من المشركين وغيرهم من أهل الكتاب ينكرون القرآن كله، فكيف قال: {وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ}

قلتُ: إن الأحزاب لا ينكرون القرآن بجملته؛ لأنه قد ورد فيه آيات دالة على توحيد الله وإثبات قدرته لا ينكرون ذلك أبدًا. والقول الثاني: إن المراد بالكتاب التوراة والإنجيل، والمراد بأهله الذين أسلموا من اليهود والنصارى مثل عبد الله بن سلام وأصحابه، ومن أسلم من النصارى وهم ثمانون كما مر فرحوا بالقرآن، لكونهم آمنوا به وصدقوه {وَمِنَ الْأَحْزَابِ} يعني: بقية أهل الكتاب من اليهود والنصارى وسائر المشركين {مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ}. وقيل: كان ذكر الرحمن قليلًا في القرآن في الابتداء، فلما أسلم عبد الله بن سلام ومن معه من أهل الكتاب من اليهود والنصارى ساءهم قلة ذكر الرحمن في القرآن مع كثرة ذكره في التوراة، فلما كرر الله تعالى ذكر لفظة الرحمن في القرآن .. فرحوا بذلك، فأنزل الله تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ} يعني: مشركي مكة {مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ} وذلك لما كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتاب الصلح يوم الحديبية كتب فيه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فقالوا: ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب، فأنزل الله: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي} وإنما قال: {وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ}؛ لأنهم كانوا لا ينكرون الله وينكرون الرحمن.

ولما ذكر سبحانه اختلاف أهل الكتاب في شأنه - صلى الله عليه وسلم - .. بين بإيجاز ما يحتاج إليه المرء ليفوز بالسعادتين، فقال: {قُل} يا محمَّد في جواب المنكرين {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ}؛ أي: إنما أمرت (٢) فيما أنزل إلي بأن أعبد الله وأوحده ولا أشرك به شيئًا، وهو العمدة في الدين، لا سبيل لكم إلى إنكاره،


(١) الخازن.
(٢) روح البيان.