للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأما ما تنكرونه لما يخالف شرائعكم، فليس ببدع مخالفة الشرائع والكتب الإلهية في جزئيات الأحكام؛ لأن الله الحكيم ينزل بحسب ما يقتضيه صلاح أهل العالم، كالطبيب يعامل المريض بما يناسب مزاجه من التدبير والعلاج.

وقد اتفق (١) القراء على نصب {وَلَا أُشْرِكَ بِهِ} عطفًا على {أَعْبُدَ}. وقرأ أبو خليد عن نافع: {وَلَا أُشْرِكَ} بالرفع على القطع؛ أي: وأنا لا أشرك به، وجوز أن يكون حالًا؛ أي: أن أعبد الله غير مشرك. والمعنى: أي (٢): قل لهم صادعًا بالحق، ولا تكترث بمن ينكره: إني أمرت فيما أنزل إلي بأن أعبد الله وحده، ولا أشرك به شيئًا سواه، وذلك ما لا سبيل إلى إنكاره، وأطبقت عليه الشرائع والكتب، كما قال: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا}. وذلك ما دلت الدلائل التي في الآفاق والأنفس على وجوب الإذعان له، والاعتراف به، وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد.

{إِلَيْهِ}؛ أي: إلى توحيد الله سبحانه وتعالى وطاعته وإخلاص العبادة له وحده، لا إلى غيره {أَدْعُو} الناس أو أخصه بالدعاء والنداء إليه في جميع مهامي {وَإِلَيْهِ} سبحانه وتعالى وحده {مَآبِ}؛ أي: مآبي ومرجعي ومصيري ومرجعكم للجزاء لا إلى غيره، وهذا هو القدر المتفق عليه بين الأنبياء، فأما ما عدا ذلك من التفاريع فمما يختلف بالأعصار والأمم، فلا معنى لإنكار المخالف فيه.

وهذه الآية جامعة لشؤون النشأة الأولى والآخرة، فقوله: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ} توحي إلى ما جاء به التكليف، وقوله: {إِلَيْهِ أَدْعُو} تشير إلى مهام الرسالة، وقوله: {وَإِلَيْهِ مَآبِ} تشير إلى البعث والجزاء للحساب يوم القيامة،

٣٧ - ثم بين سبحانه أنه أرسل رسوله بلغة قومه كما أرسل من قبله رسلًا بلغات أقوامهم، فقال: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ}؛ أي: وكما أرسلنا من قبلك المرسلين


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.