للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومعناه: أنه يكفيك قليل الندم في كونه زاجرًا لك عن هذا العمل، فكيف كثيره، وأيضًا أنه يشغلهم العذاب عن تمني ذلك إلا في القليل.

فائدة: وقال عبد الله بن المبارك: ما خرج أحد من الدنيا من مؤمن وكافر إلا على ندامة وملامة لنفسه، فالكافر لما يرى من سوء ما يجازى به، والمؤمن لرؤية تقصيره في القيام بموجب الخدمة وترك الحرمة وشكر النعمة اهـ.

٣ - {ذَرْهُمْ}؛ أي: دع الكفار يا محمد، واتركهم عن النهي عما هم عليه بالتذكرة والنصحية، لا سبيل إلى ارعوائهم عن ذلك، والآية منسوخة بآية القتال كما في "بحر العلوم". {يَأْكُلُوا} كالأنعام {وَيَتَمَتَّعُوا} بدنياهم وشهواتها؛ أي: إن تركتهم على حالهم، يأكلوا كما تأكل الأنعام، ويأخذوا حظوظهم من دنياهم. فتلك أخلاقهم، ولا خلاق لهم في الآخرة.

والمراد (١): دوامهم على ذلك لا إحداثه، فإنهم كانوا كذلك، وهما أمران بتقدير اللام، لدلالة {ذَرْهُمْ} عليه، أو جواب أمر على التجوز؛ لأن الأمر بالترك يتضمن الأمر بهما؛ أي: دعهم وبالغ في تخليتهم وشأنهم، بل مرهم بتعاطي ما يتعاطون. {وَيُلْهِهِمُ}؛ أي: الكفار؛ أي: يشغلهم عن اتباعك أو عن الاستعداد للمعاد، {الْأَمَلُ}؛ أي: التوقع لطول الأعمار، وبلوغ الأوطار، واستقامة الأحوال، وأن لا يلقوا في العاقبة والمال إلا خيرًا، وفي: {يلههم} ثلاث قراءات: كسر الهاء والميم، وضمهما، وكسر الهاء وضم الميم، وأما الهاء الأولى فمكسورة لا غير اهـ. شيخنا ذكره في "الجمل". وهذا (٢) تهديدٌ لهم؛ أي: دعهم عما أنت بصدده من الأمر والنهي لهم، فهم لا يرعوون أبدًا، ولا يخرجون من باطل، ولا يدخلون في حق، بل مرهم بما هم فيه من الاشتغال بالأكل، والتمتع بزهرة الدنيا، فإنهم كالأنعام التي لا تهتم إلا بذلك ولا تشتغل بغيره.


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.