للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمسام ثقب الشعر في البدن، وتعمُّ جميع ثقبه كالفم والمنخر والأذن، فإن السموم في اللغة الريح الحارة، والريح الحارة فيها نار، والفرق بين السموم والحرور: أن السموم الريح الحارة التي تكون في النهار، والحرور الريح الحارة التي تكون بالليل، وقد تكون بالنهار، وقال أبو صالح: السموم نار لا دخان لها، والصواعق تكون منها، وهي نار بين السماء والحجاب، فإذا حدث أمر .. خرقت الحجاب، فهوت إلى ما أمرت به، فالهدة التي تسمعون من خرق ذلك الحجاب، وقيل: من نار السموم؛ أي: من نار جهنم، وقال ابن مسعود: هذه السموم جزء من سبعين جزءًا من السموم التي خلق منها الجانُّ، وتلا هذه الآية، وقال ابن عباس: كان إبليس من حيٍّ من الملائكة يسمون الجان، خلقوا من نار السموم، وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار، وخلقت الملائكة من النور، وذكر (١) خلق الإنسان والجان في هذا الموضع للدلالة على القدرة الإلهية، وبيان أن القادر على النشاة الأولى قادر على النشأة الأخرى.

وقدم (٢) خلق الإنسان على الجان، مع أنه خلق قبله تعظيمًا لشأنه، وإظهارًا لفضله، وكان بين خلق آدم والجن ستون ألف سنة، واتفق أهل العلم من أهل التحقيق على أن عالم الملك مقدم خلقه على عالم الجان، وعالم الجان مقدم على عالم الإنسان، وانتقل ملك الدنيا إلى آدم، ليحصل له الاعتبار بالسابقين، ويظهر له الفضل على الكل بتأخيره عن جميع المخلوقات، لأنه كالخاتم على الباب، وهو خاتم المخلوقات، ونتيجة الكائنات، ونسخة الكليات من المحسوسات والمعقولات، وبه تم كمال الوجود، لتحققه بوصفي الجمال والجلال، واللطف والقهر، بخلاف الملك فإنه مخلوقٌ على جناح واحد هو اللطف، ولم يكن قبل آدم خلق من التراب، فخلق آدم منه ليكون عبدًا خضوعًا وضوعًا ذلولًا مائلًا إلى السجود؛ لأنه مقام العبودية الكاملة، فكل جنس يميل إلى جنسه، ولهذا تواضع آدم لله، واستكبر إبليس عن التواضع، فأبى وعلا وتكبر،


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.