للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تبعيضية أي: نفخت فيه روحًا هي بعض الأرواح التي خلقتها؛ أي: أدخلتها وأجريتها فيه، والإضافة في روحي للتشريف، كبيت الله، وناقة الله، كما سيأتي في مبحث البلاغة إن شاء الله تعالى، قال القرطبي: والروح جسم لطيف، أجرى الله العادة بأن يخلق الحياة في البدن مع ذلك الجسم، انتهى. والنفخ (١) إجراء الريح إلى تجويف جسم صالح لإمساكها والامتلاء بها، وليس ثمة نفخ ولا منفوخ، وإنما هو تمثيل لإفاضة ما به الحياة بالفعل على المادة القابلة لها، فإذا كملت استعداده، وأفضت عليه ما يحيا به من الروح التي من أمري .. {فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}؛ أي: فاسقطوا وخروا، حالة كونكم ساجدين تجاه ذلك الإنسان سجود تحية وإكرام، لا سجود عبادة وتعظيم، بأن تسجدوا لله متوجهين لآدم، كالقبلة تشريفًا له، ولله أن يكرم من يشاء من مخلوقاته بما يشاء وكيف يشاء، وفي قوله: {فَقَعُوا} (٢) دليل على أنه ليس المأمور به مجرد الإنحناء كما قيل؛ أي: اسقطوا له ساجدين، امتثالًا لأمر الله تعالى، وتحية لآدم وتكريمًا له، واسجدوا لله على أنه عليه السلام بمنزلة القبلة، حيث ظهر فيه تعاجيب آثار قدرته وحكمته

٣٠ - {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ}؛ أي: فخلقه فسواه فنفخ فيه الروح، وجعل فيه الحياة، فسجد له الملائكة {كُلُّهُمْ} بحيث لم يشذ منهم أحد أرضيًّا كان أو سماويًّا {أَجْمَعُونَ} بحيث لم يتأخر في ذلك أحد منهم عن السجود، بل سجدوا مجتمعين دفعة واحدة، ولا ريب في أن السجود معًا أكمل أصناف السجود فيحمل عليه،

٣١ - {إِلَّا إِبْلِيسَ} كان (٣) بينهم مأمورًا معهم بالسجود، فغلب اسم الملائكة، ثم استثنى بعد التغليب، كقولك: رأيتهم إلا هذا، وجملة قوله {أَبَى} إبليس وامتنع {أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ}؛ أي: أن يكون مع الملائكة الذين أمروا بالسجود، {فسجدوا} مستأنفة استئنافًا بيانيًّا واقعًا في جواب سؤال قائل يقول: هلا سجد؟ فقيل: أبي ذلك واستكبر عنه؛ أي: عدم سجوده لم يكن من تردده، بل من إبائه واستكباره، ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعًا، فيتصل به ما بعده؛ أي: لكن إبليس أبي أن يكون معهم في السجود لآدم استكبارًا واستعظامًا لنفسه، وحسدًا لآدم


(١) أبو السعود.
(٢) روح البيان.
(٣) الكشاف.