للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وحاصل معنى قوله: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا} الآيات؛ أي (١): واذكر أيها الرسول لقومك، حين نوه ربكم بذكر أبيكم آدم في ملائكته قبل خلقه، وتشريفه بأمر الملائكة بالسجود له، وتخلف إبليس عن السجود له، من بين سائر الملائكة حسدًا وعنادًا واستكبارًا بالباطل، فقال: {لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ} إلخ. وحكي عنه في آية أخرى أنه قال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}، وتقدم هذا القصص في سورة الأعراف، وقلنا هناك: إن الأمر بالسجود أمرٌ تكليفي، وأنه قد وقع حوار بين إبليس وربه، ويرى كثير من العلماء أن القصة بيان لغرائز البشر والملائكة والشيطان، إذ جعل الملائكة - وهم المدبرون لأمور الأرض بإذن ربهم - مسخرين لآدم وذريته، وجعل هذا النوع الإنساني مستعدًا للانتفاع بالأرض كلها، لعلمه بسنن الله فيها، وعمله بهذا السنن فانتفع بمائها وهوائها ومعادنها ونباتها وحيوانها وكهربائها ونورها، وبذا أظهر حكمة الله في خلقها، واصطفى بعض أفراده بوحيه ورسالته، وجعلهم مبشرين ومنذرين، وجعل الشيطان عاصيًا متمردًا على الإنسان وعدوا له، وجعل النفوس البشرية وسطًا بين النفوس الملكية، المفطورة على طاعة الله، وإقامة سننه في صلاح الخلق، وبين أرواح الجن الذين يغلب على شرارهم الشياطين التمرد والعصيان.

وقد ذكر سبحانه حجاج إبليس، وذكر سبب امتناعه عن السجود لآدم بأنه خير منه، فإنه خلق من النار، وآدم من الطين، والنار خير من الطين، وأشرف منه، والشريف لا يعظم من دونه، ولو أمره ربه بذلك.

وفي هذا ضروب من الجهالة (٢)، وأنواع من الفسق والعصيان، فإنه:

١ - اعترض على خالقه بما تضمنه جوابه.

٢ - احتج عليه بما يؤيد اعتراضه.

٣ - جعل امتثال الأمر موقوفًا على استحسانه وموافقته لهواه، وهذا رفض لطاعة الخالق، وترفع عن مرتبة العبودية.


(١) المراغي.
(٢) المراغي.