للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أو شدة غلمتهم، التي أزالت عقولهم وتمييزهم بين الخطأ الذي هم عليه، والصواب الذي يشار به إليهم، من ترك البنين إلى البنات، حالة كونهم {يَعْمَهُونَ}؛ أي: يتحيرون في غوايتهم ويتمارون، فكيف يسمعون النصح.

وقرأ الأشهب (١): {سُكرتهم} بضم السين، وابن أبي عبلة: {سَكَراتِهم} بالجمع، والأعمش: {سَكْرِهم} بغير تاء، وأبو عمرو في راوية الجهضمي: {أنَّهم} بفتح همزة {أنَّهم}، والعمر (٢) والعُمْر بالفتح والضم واحد، وهو البقاء، إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح لإيثار الأخف، لأن الحلف كثير الدوران على ألسنتهم، ولذلك حذفوا الخبر تقديره: لعمرك قسمي، كما حذفوا الفعل في قولهم: تالله.

وقال القاضي عياض: اتفق (٣) أهل التفسير في هذا أنه قسم من الله جلَّ جلاله، بمدة حياة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وكذا حكى إجماع المفسرين على هذا المعنى أبو بكر بن العربي فقال: قال المفسرون بأجمعهم: أقسم الله تعالى ها هنا بحياة محمد - صلى الله عليه وسلم - تشريفًا له، قال أبو الجوزاء: ما أقسم الله سبحانه وتعالى بحياةِ أحدٍ غير محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه أكرم البرية عنده تعالى، قال ابن العربي: ما الذي يمنع أن يقسم الله سبحانه وتعالى بحياة لوط؟ قال القرطبي: ما قاله حسن، وذكر صاحب "الكشاف" وأتباعه: أن هذا القسم هو من الملائكة على تقدير القول والمعنى عليه؛ أي: قالت الملائكة للوط وحياتك أيها الرسول إن قومك لفي ضلالتهم التي جعلتهم حيارى، لا يعرفون ما أحاط بهم من البلاء، ولا ماذا يصيبهم من العذاب المنتظر، لما أصابهم من عمى البصيرة، فهم لا يميزون الخطأ من الصواب، ولا الحسن من القبيح.

٧٣ - ثم ذكر سبحانه عاقبة أمرهم فقال: {فَأَخَذَتْهُمُ}؛ أي: فأخذت قوم لوط وأهلكتهم {الصَّيْحَةُ} العظيمة، أو صيحة جبريل عليه السلام، حال كونهم


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.