للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{مُشْرِقِينَ}؛ أي: داخلين وقت شروق الشمس وطلوعها، وكان ابتداء (١) العذاب حين أصبحوا كما قال: {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} وتمامه حين أشرقوا، لأن جبريل قلع الأرضين بهم، ورفعها إلى السماء ثم هوى بها نحو الأرض، ثم صاح بهم صيحة عظيمة، فالجمع بين مصبحين ومشرقين باعتبار الابتداء والانتهاء فمقطوع على حقيقته، فإن دلالة اسمي الفاعل والمفعول على الحال، وحال القطع هو حال المباشرة لا حال انقضائه، لأنه مجاز حينئذٍ، وذلك بأن تقول مقطوع بمعنى يقطع عن قريب، وقيل (٢): أراد شروق الفجر، وقيل: كان أول العذاب عند شروق الفجر، وامتد إلى طلوع الشمس، والمعنى؛ أي: فنزل بهم العذاب المنتظر، وأخذتهم الصاعقة وقت الشروق، وكان ابتداؤها من الصبح، وانتهاؤها حين الشروق، ومن ثم قال أولًا {مُصْبِحِينَ} وقال هنا {مُشْرِقِينَ}، وأخذ الصيحة قهرها لهم وتمكنها منهم، ومن ثم يقال للأسد أخيذ.

٧٤ - ثم بين سبحانه كيفية أخذها لهم ولقريتهم فقال: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا}؛ أي: عالي المدينة وأعلاها وظاهرها أولًا أو عالي قرى قوم لوط {سَافِلَهَا}؛ أي: أسفلها وباطنها وتحتها مقلوبة، وذلك بأن رفعناها إلى قريب من السماء على جناح جبريل، ثم قلبناها عليهم، فصارت منقلبة بهم، وكانت قراهم (٣) أربعة، فيها أربع مئة ألف مقاتل، وقوله: {عَالِيَهَا} مفعول أول لجعلنا، لأنه بمعنى صيرنا، و {سَافِلَهَا} مفعول ثان له، وهو أدخل في الهول والفظاعة من العكس.

{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ}؛ أي: على أهل المدينة؛ أي: وأنزلنا عليهم في تضاعيف ذلك قبل تمام الإنقلاب، أو على من كان منهم خارجا عن المدينة، بأن كان غائبًا في سفر أو غيره {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ}؛ أي: من طين مطبوخ بالنار متحجر مكتوب عليه اسم من يرمى به، فهلكوا بالخسف والحجارة، وفي "الكواش": وأمطرنا على شذاذهم؛ أي: على من غاب عن تلك البلاد، والمعنى (٤): أي: فجعلنا عالي المدينة - وهو ما على وجه الأرض - سافلها، فانقلبت عليهم،


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراح.
(٤) المراغي.