للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الطريق صار ذلك العبد مخصوصًا بهذه المعارف من دون سائر الخلق، فقوله تعالى: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} إشارة إلى الأحكام الأصولية، وقوله تعالى: {فَاتَّقُونِ} إشارة إلى الأحكام الفرعية.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (١): {يُنَزِّلُ} بإسكان النون وتخفيف الزاي، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: {يُنَزِّلُ} بالتشديد، وقرأ زيد بن علي والأعمش وأبو بكر: {تُنَزَّلُ} مشددًا مبنيًّا للمفعول {المَلائِكَةُ}، وقرأ الجحدري كذلك إلا أنه خفَّف، وقرأ الحسن وأبو العالية والأعرج والمفضَّل عن عاصم ويعقوب: {تَنَزَّلُ} بفتح التاء مشددًا مبنيًّا للفاعل، وقرأ ابن أبي عبلة: {نُنزِّلُ} بنون العظمة والتشديد، وقتادة بالنون والتخفيف، قال ابن عطية: وفيهما شذوذ كثير. انتهى.

وشذوذهما أن ما قبله وبما بعده ضمير غيبة، ووجه بأنه التفات. وقرىء {ليُنْذرُوا أنَّه} وقرأ يعقوب {فاتَّقُوني} بالياء، ذكره "النسفيُّ"، وفي الآية إيماء (٢) إلى أن الوحى من الله إلى أنبيائه لا يكون إلا بواسطة الملائكة، ويؤيد ذلك قوله: {وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} فقد بدأ بذكر الملائكة؛ لأنهم الذين يتلقون الوحي من الله بلا وساطة، وذلك الوحي هو الكتب، وهم يوصلون هذا الوحي إلى الأنبياء، لا جرم جاء الترتيب على هذا الوضع.

٣ - {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}؛ أي: خلق سبحانه وتعالى وأنشأ وأوجد العالم العلوي، وهو السموات، والعالم السفلي، وهو الأرض بما حوت على غير مثال سابق؛ أي: خلق الأجرام العلوية والآثار السفلية خلقًا متلبِّسًا {بِالْحَقِّ}؛ أي: بالحكمة والمصلحة على نهج تقتضيه الحكمة، ولم يخلقهما عبثًا منفردًا بخلقهما لم يشركه في إنشائهما وإحداثهما شريك، ولم يعنه على ذلك معين {تَعَالَى} الله سبحانه عن ذلك، إذ ليس في قدرة أحد سواه أن ينشىء السموات والأرض، فلا تليق العبادة إلا له، تقدس سبحانه {عمَّا يُشْرِكُونَ}؛ أي: عن إشراكهم أو عن


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.