للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يسر هؤلاء المشركون من إنكارهم لما قصصته عليك، واستكبارهم على الله تعالى، ويعلم ما يعلنون ويظهرون من كفرهم به وافترائهم عليه، ثم علل سوء صنيعهم بشدة استكبارهم فقال: {إِنَّهُ} تعالى {لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ}؛ أي: لا يحب هؤلاء الذين يستكبرن عن توحيده، وعن الاستجابة لأنبيائه ورسله، بل يبغضهم أشد البغض وينتقم منهم أعظم الانتقام.

وقرأ عيسى الثقفي: {إنَّ} بكسر الهمزة على الاستئناف والقطع عما قبله، والمعنى (١): أنه لا يحب جنس المستكبرين، سواء كانوا مشركين أو مؤمنين، والاستكبار رفع النفس فوق قدرها وجحود الحق، والفرق بين المتكبر والمستكبر أن التكبر عام لإظهار الكبر الحق، كما في أوصاف الله تعالى، فإنه جاء في أسمائه الحسنى الجبَّار المتكبر، وفي قوله عليه السلام: "التكبُّر على المتكبر صدقةٌ"، ولإظهار الكبر الباطل كما في قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، والاستكبار إظهار الكبر باطلًا كما في قوله تعالى في حق إبليس {اسْتَكْبَرَ} ومنه ما في هذا المقام.

أخرج مسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان"، فقال رجل: يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، فقال: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق وغمص الناس".

وفي "الصحيح": "إن المتكبرين أمثال الذر يوم القيامة يطؤهم الناس بأقدامهم لتكبرهم" وقال العلماء: كل ذنب يمكن ستره وإخفاؤه إلا التكبر، فإنه فسق يلزمه الإعلان، وهو أصل العصيان كله ذكره القرطبي، وحكى أنه (٢) افتخر رجلان عند موسى - عليه السلام - بالنسب والحسب، فقال أحدهما: أنا فلان


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.