للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لعدم إسلامهم الذي هو سبب لتكفير الذنوب، كما يكفر بها أوزار المؤمنين، فإن ذنوبهم تكفر عنه من الصلاة إلى الصلاة، من رمضان إلى رمضان، ومن الحج إلى الحج، وتكفر بالشدائد والمصائب؛ أي: المكروهات من الآلام والأسقام، والقحط حتى خدش العود وعثرة القدم، {يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ظرف ليحملوا، فاللام (١) في قوله: {لِيَحْمِلُوا} للتعليل كما فسرنا، وقيل إن اللام هي لام العاقبة؛ لأنهم لم يصفوا القرآن بكونه أساطير لأجل أن يحملوا الأوزار، ولكن لما كان عاقبتهم ذلك حسن التعليل به، كقوله: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}، وقيل هي لام الأمر والأوزار جمع وزرٍ: الآثام.

قال الإِمام الرازي: وقوله: {كَامِلَةً} يدل (٢) على أنه سبحانه وتعالى قد يسقط بعض العقاب عن المؤمنين، إذ لو كان هذا المعنى حاصلًا في حق الكل .. لم يكن لتخصيص هؤلاء الكفاء بهذا التكميل فائدة، {و} ليحملوا {من أوزار الذين يضلونهم}؛ أي (٣): بعض أوزار من ضل بإضلالهم، وهو وزر الإضلال والتسبب للضلال؛ لأنهما شريكان، هذا يضله وهذا يطاوعه، فيتحاملان الوزر، وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من دعا إلى هدى .. كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة .. كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا" أخرجه مسلم، ومعنى الآية والحديث (٤): أن الرئيس أو الكبير إذا سنَّ سنة حسنة أو قبيحة فتبعه عليها جماعة، فعملوا بها .. فإن الله سبحانه وتعالى يعظم ثوابه أو عقابه، حتى يكونه ذلك الثواب أو العقاب الذي يستحقه الأتباع إلى الرؤساء، لأن ذلك ليس بعدلٍ، ويدل عليه قوله تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨) وقوله: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)}.

قال الواحديُّ: ولفظة {مِنْ} (٥) في قوله: {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ}


(١) الشوكاني.
(٢) الفخر الرازي.
(٣) روح البيان.
(٤) الخازن.
(٥) الواحدي.