للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{فَإِنَّ رَبَّكُمْ}، أيها العباد، {لَرَءُوفٌ} بكم حيث لا يعاجلكم بالعقوبة، ويحلم عنكم مع استحقاقكم لها، {رَحِيمٌ} بكم حيث لا يأخذكم في الحال ويتوب عليكم في المآل، ويجازي توبتكم بالفضل والنوال، ولمَّا (١) كان تعالى قادرًا على هذه الأمور، ولم يعاجلهم بها .. ناسب وصفه بالرأفة والرحمة.

وحاصل المعنى: أي (٢) أفأمن الذين مكروا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل مكة وراموا صد أصحابه عن الإيمان بالله تعالى أن يصيبهم بعقوبة من عنده:

١ - إمَّا بأن يخسف بهم الأرض، ويبيدهم من صفحة الوجود، كما فعل بقارون من قبل.

٢ - وإما بأن يأتيهم بعذاب من السماء فجأة من حيث لا يشعرون، كما صنع بقوم لوط.

٣ - وإمَّا بأن يأخذهم بعقوبة وهم في أسفارهم يكدحون في الأرض ابتغاء الرزق، وما هم بممتنعين عليه فائتين له بالهرب والفرار كما قال: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (١٨٣)} وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى لَيُمْلِي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفْلِتْهُ".

٤ - وإمَّا بأن يخيفهم أوَّلًا، ثم يعذبهم بعد ذلك، بأن يهلك طائفة فتخاف التي تليها، حتى يأتي عليهم جميعًا، ويكون هذا أشد عليهم إيلامًا ووحشة، وختم الآية بما ختم به لبيان أنه لم يأخذهم بعذاب معجل، بل أخذهم بحالات يخاف منها كالرياح الشديدة والصواعق والزلازل، وفي ذلك امتداد وقت ومهلة يمكن فيها تلافي التقصير، وهذا من آثار رحمته بعباده.

٤٨ - ثم ذكر آثار قدرته على خلقه فقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا} الهمزة (٣) فيه للإنكار المضمن للتوبيخ، داخلة على محذوف، والواو عاطفة على ذلك المحذوف، والرؤية هي البصرية المؤدِّية إلى التفكر، والضمير لكفار مكة؛ أي: ألم ينظروا


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.